بالصور النادرة:عبدالرسول التاجر ..أستاذ الرواد ومنارة العلم الأهلية
قبيل انتهاء الحرب العالمية الأولى بسنة تقريبًا، وتحديدًا في العام 1917، ولد الأستاذ عبدالرسول التاجر في المنزل “الشمالي”، بالقرب من مأتم الحاج عباس، حيث كانت تسكن العائلة آنذاك، قبل أن تنتقل للبيت الجنوبي في عشرينيات القرن الماضي، وقد عايش اليتم مبكرًا وهو في عمر 7 سنوات حين توفي والده.
تتلمذ التاجر على يد الأستاذ إبراهيم العريض، والذي تنازل عن مدرسته للأستاذ عبدالرسول التاجر، ونظرًا لأن المدرسة كانت تقع في أحد بيوت عائلة العريض، نقلها التاجر للزاوية الجنوبية الشرقية في بيتهم بالقرب من مسجد بن خلف، وتطورت المدرسة مع مرور الزمن، فقام التاجر بافتتاح غرفة كصف إضافي وباب خاص للمدرسة، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الغرفة كانت لوالده الشيخ سلمان التاجر.
كان الأستاذ عبدالرسول التاجر من يقوم بتعليم الطلبة، ويعاونه الأستاذ رضي الموسوي، وفي وقت لاحق، بدأ يوكل مهام التدريس للتلاميذ الذين نبغوا في الدراسة، ومن بين أولائك التلاميذ محمد الخاجة.
هكذا بدأ الحاج محمد حسن التاجر بسرد تفاصيل حياة ابن عمه الأستاذ عبدالرسول، وقد أشار إلى أنه شخصيًا التحق بالمدرسة في العام 1941، وقد سكن آنذاك في بيت عمه ليتعلم العربية والإنجليزية والحساب، وقال :”كنت أعيش هناك، أتعلم طوال أيام الأسبوع، وأعود لبيتنا في ليلة الجمعة فقط، كانت رسوم الدراسة روبيتين شهريًا، لكننا كأفراد من العائلة كنا معفيين من الرسوم”.
كان الأستاذ عبدالرسول التاجر يقوم باستيراد كتب “أوكسفورد” لتعليم مناهج اللغة الإنجليزية، وقد اشتهرت المدرسة على مستوى الخليج، إذ التحق بها طلبة من المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، الكويت والإمارات، ويذكر الحاج محمد حسن أن من بين الطلبة في فترة السبعينيات شخص عماني أسمه مقبول أصبح وزيرًا في السلطنة لاحقًا، بالإضافة إلى أبناء العوائل العريقة بالمنامة، وكان هناك اعتراف رسمي بشهادته داخل وخارج البحرين.
أتقن الأستاذ عبدالرسول التاجر اللغات الإنجليزية، الفارسية والهندية، وكان يقوم بالترجمة من الإنجليزية إلى الفارسية بطلاقة، وقد افتتح في وقت لاحق قسم الطباعة على الآلة الحاسبة، بدأ بأربع آلات كانت باللغة الإنجليزية فقط، ثم وصل عددها إلى 100 آلة طابعة، تضمنت طابعات باللغة العربية، وقام لاحقًا بتدريس منهج المحاسبة والذي تتطلب دراسته إتقانا للغة الإنجليزية.
يذكر الحاج محمد حسن أن بعض الطلبة تميزوا بسرعة الطباعة على الآلة، منهم المرحوم سلمان ابن الحاج أحمد خلف، والذي كان يعمل بالجمارك آنذاك، ويؤكد أن أغلب موظفي الحكومة وبابكو في ذلك الوقت هم من تلاميذ الأستاذ عبدالرسول التاجر، وهناك العديد ممن درسوا في المدرسة الأهلية وتقلدوا مناصب مهمة لاحقًا، منهم مهدي التاجر، والذي تولى منصب رئيس الجمارك في دبي، كما أن واحد من أهم تلامذته هو الشيخ أحمد العصفور، الذي أتقن استخدام الآلة الطابعة في ذلك الوقت.
انتقلت المدرسة لاحقًا لموقع آخر بالقرب من مستشفى الإرسالية الأمريكية، كان عبارة عن بيت فيه 3 حجر كبيرة وليوان واسع، ثم انتقل مرة أخرى إلى فريج العوضية، وأخيرًا إلى حي “التيلغراف” بمنطقة الحورة.
كتب الأستاذ عبدالرسول التاجر سيناريو لواحدة من أوائل المسرحيات التي عرضت في البحرين وقام هو أيضًا بإخراجها، وأطلق عليها آنذاك اسم “الحي الميت”، وقد تمت تهيئة ساحة كبيرة بديكورات مبهرة آنذاك صنعت بيد حميد وعبدالرسول الحلواجي، وقد حضر العرض المسرحي الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة حاكم البحرين في تلك الفترة، وكان الحضور غفير من الشخصيات الرسمية والأهلية، وتم تمديد العرض من 3 أيام إلى أسبوع نظرًا للاقبال الكبير على العرض.
ويستذكر الحاج محمد حسن أنه كان يتم تنظيم حفلة شهريًاً بالمدرسة بحضور شخصيات من العائلة الحاكمة، وقد شارك هو في بعض العروض المسرحية بأدوار كوميدية.
لم يكن الأستاذ عبدالرسول التاجر عصبيًا، لكنه كان يستخدم العصا لضرب الطلبة المشاغبين أحيانًا، وكان يعاقب لمدخنين بقسوة حين يفشي أحد الطلبة بزميله، أو حين يكتشف هو ذلك.
استمرت المدرسة في استقطاب الطلبة وخاصة المهتمين بتعلم استخدام الآلة الطابعة حتى الثمانينات، وفي العام 1985 أصيب التاجر بسرطان الحنجرة، وارتأى أبناء عمه السفر معه للعلاج في الخارج بعد أن تم عرضه على طبيب يسمى “قوبتا” في مستشفى السلمانية الطبي، وبالفعل سافروا معه وخضع لعملية جراحية في لندن لاستئصال الورم.
حين عاد التاجر وأبناء عمه إلى البحرين، كانت العائلة قد استقرت في مجمع سكني بمنطقة السهلة، وأشغل نفسه ووقته في الاهتمام بالزراعة، إلا أنه كان يشعر بالوحدة والفراغ بعد سنوات العطاء.
توفي الأستاذ عبدالرسول التاجر في أكتوبر 1990، بعد أن اشتد به المرض، ودفن في مقبرة الحورة.
بارك الله لكم جهودكم النيرة في هذه البنورامية المنامية لرجال قلما يجود بهم الزمان
والتاجر أحد هؤلاء
لقد أبدعتم بل وتفردهم بأعمالكم المميزة، حقيقة خلف عملكم هذا وعي وطني متجذر…. تشكرون عليه… كل ماشي ويبقى العمل شاهدا وسيضاف لميزان أعمالكم … رحم الله التاجر ، ما عمله كان عظيما، لقد أنار الطريق وبدد الظلام لعدد من أبناء المنطقة
نحتاج لعمل سلسلة من كتب ورقية ويمكن تحويها إلكترونيًا فيما بعد حول سير حياة أولئك الشخصيات…
لمحة تاريخية مهمة جدا عن حياة الاستاذ القدير عيد الرسول التاجر و شخصيا افتخر ان اكون احد تلامذته و لكن يبدو أن هناك التباس تاريخي في هذا السرد التاريخي و هو أن من المستبعد ان يتلمذ الاستاذ عيد الرسول التاجر على يد الاستاذ ابراهيم العريض كما هو مذكور هنا : الاستاذ ابراهيم العريض اتي الى البحرين من موبي في الهند في عام 1922 و هو يتكلم فقط الانجليزية و الهندية و الفارسية و تعلم العربية بعد ذلك علي يد الاساتذة من امثال رضي الموسوي و غيرهم و لذا يبدو مستبعدا ان يكون الاستاذ عبد الرسول التاجر احد تلامذته.
حسب علمي فإن الأستاذ إبراهيم العريض يذكر ان أستاذه الذي علمه العربية هو الشيخ سلمان التاجر والد الأستاذ عبد الرسول التاجر وقد ورد ذلك في كتاب ( شعراء البحرين المعاصرون) للدكتور الشاعر علوي الهاشمي. وبالتالي فلا يُستبعد ان يكون الأستاذ العريض استاذاً لعبد الرسول التاجر