ماهو سبب كثافة المآتم في المنامة وقربها من بعض؟

خاص – حكاية المنامة

أنا لست أنكر صانعَي نفسي وقد صارت مطيعة   ركنا ولائي والداي وحقهم لن أستطيعه
أنا قد وعيت طريقهم من بعد فاجعة مريعة   غرست بقلبي كربلا طفلاً فهل أنسى الفجيعة
وبقيت أنمو في مآتمهم ولي نفس جزوعه  حتى أخذت أعي الأمور رأيت نفسي في الطليعة
(السيد علوي الشهركاني)

المنامة هذه المدينة التي نمت وترعرعت من قرية صغيرة وادعة على أطراف عاصمة البحرين القديمة (البلاد القديم)، في القرنين الخامس عشر والسادس عشر للميلاد، إلى أن غدت مركزا تجاريا مركزياً في القرن الثامن عشر، ومتطوراً بشكل سريع في القرن التاسع عشر ليصبح تدريجياً عاصمة جزر البحرين كافة لاحقاً حتى اليوم؛ كيف بدأت فيها الحسينيات (المآتم) وانتشرت؟ حتى أصبحت اليوم من أكثر مناطق البلاد التي تضم أكبر عدد من الحسينيات طوال تاريخها المدون.

بداية، اعتماداً على الروايات الشفاهية فقط، يبدو أن المواقع الأولي التي خُصصت للنياحة على مقتل الإمام الحسين عليه السلام؛ قد ظهرت في بيوت الأهالي أولاً، ثم المساجد، ثم في مبني مستقل خاص تحت مسمي (مأتم)، وإن كان من سعف النخيل والطين بداية.

وهذه الأخيرة، أي (المآتم) أو الحسينيات بالمصطلح الحديث؛ يُسجل تاريخ وجودها في البحرين مع النصف الثاني من القرن الثامن عشر، إذا اعتبرنا أن حسينية العلامة الشيخ حسين العصفور التي تأسست بالشاخورة في العام 1777م، كما هو مدون على بابها اليوم، هي أولها، أو حسينية آل عبدالحي بالسنابس في ذات الفترة تقريباً، وإن كانت في مسجد.

– حسينيات المنامة:
لقد أثبتت بعض الوثائق المؤكدة وجود حسينيات المنامة بعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر للميلاد، مثل حسينية البدع (العام 1858م)، وحسينية العجم الكبيرة (العام 1891م)، وإن كانت بعض الروايات الشفاهية تعود ببعضها إلى الثلث الأول من القرن التاسع عشر كحسينية “الكرخانة- ولد أمان” (1824)، وبن رجب (العام 1835)، ومدن (العام 1842م). أو النصف الثاني من ذات القرن مثل حسينية العريض (العام 1870)، وحسينية الحاج عباس (العام 1895).

ويمكن القول بأن هذه الحسينيات المنامية، كانت أكثر ثباتاً حيت التأسيس كمباني مستقلة عن غيرها في بقية القرى. ولهذا أسباب عديدة جعلت من القرن التاسع عشر ذروة تأسيس معظم الحسينيات الكبيرة في العاصمة المنامة، وكذلك في بقية القرى. ويعود ذلك إلى للوضع المادي المربح في البحرين زمن اللؤلؤ وثرواته الخيالية، في سنوات النصف الأول من القرن التاسع عشر، والذي تواصل حتى الربع الأول من القرن العشرين. وقد وصلت أرباح اللؤلؤ في تلك الفترة إلى حوالي مليون روبية هندية في بعض السنوات بحسب الإحصائيات الرسمية. وهذا لعمري، ما أدي لظهور ونمو طبقة التجار من “الطواويش”, و”المسقمين”، أو الممولين لرحلات الغوص، و”النواخذة” وسماسرة اللؤلؤ. من هنا أتجه البعض من وجهاء طبقة تجار اللؤلؤ، ولعدة أسباب، لإنشاء الحسينيات بالمعنى المستقل لها كمبني خاص في قطعة أرض أُوقفت لهذا الغرض تحديداً، قبل أن تكون هناك أوقاف ونظام وتسجيل لكل ما يدور فيها إثر تكوين إدارة الأوقاف في العام 1927م. وبسبب تقارب بيوت أثرياء اللؤلؤ في المنامة، نجد أن الحسينيات أيضاً كانت متقاربة جداً ولا يفصل بينها سوي أمتار قليلة، بل وخطوات أحياناً. حتى أنك لتجد حسينيات مثل (البدع، والحاج عباس، وخلف البقالي، ومديفع، والعجم الكبير، وزبر، ومدن، والكرخانة، والكليتي، والسماكين، وابوعقلين) في مساحة ربما لا تتجاوز 2 كيلو متر مربع.

– إحصائيات بالحسينيات ومواكب العزاء:
أضف إلى ما سبق، أن تطور الحراك الحسيني في حسينيات المنامة تلك، أدي لظهور مواكب العزاء في الفترة ما بين نهاية القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين، حتى تم تنظيمها رسمياً في خط سير موحد لها وفي شوارع محددة مع بداية موسم عاشوراء كل عام بدءاً من نهاية العشرينيات من القرن الماضي. ومما ساعد على كثافة وجود الحسينيات بالمنامة أنه مع مرور الزمن تفرعت من تلك الحسينيات الكبيرة حسينيات أصغر منها، وهناك أسباب عديدة لهذا الوضع، من بينها بعض الخلافات الإدارية البسيطة.

وفي إحصاء شبه تقريبي لحسينيات معظم المدن والقرى في البحرين، نجد أن هناك حوالي 1500 مبني مستقل كحسينية يشمل كافة الأحجام في المباني ومن أقلها إمكانية إلى أعلاها إمكانية. وكمثال على ذلك، فقط لديننا في المحافظة الوسطي، 255 حسينية.

أما العاصمة المنامة ذات الكثافة السكانية الكبيرة أيضاً، فقد بلغت حسينياتها وحدها، طبقا لآخر إحصائية ميدانية قمنا بها، 84 حسينية، منها 46 للنساء فقط.