الحاج جعفر المخرق: مدرسة العريض الأهلية كانت تضـم طلبـة مسلميـن ويهوداً ونصارى بلا عنصرية
هي صورة ملفتة للنظر تلك التي يسردها عميد عائلة المخرق الحاج جعفر يوسف مكي المخرق حين يتحدث عن أطفال بين سن السابعة والعاشرة يجلسون في فصل دراسي فيه المسلم واليهودي والنصراني ولا يجدون في ذلك بأساً أو حرجاً أو عدوانية!؟ صورة الفصل الدراسي بمدرسة المرحوم الأستاذ إبراهيم العريض الأهلية لا تنتمي إلى مدارس اليوم… بل تعود إلى أواخر الثلاثينات من القرن الماضي حين كان ضيفنا الحاج جعفر المخرق يبحر بنا في حديث الذكريات… في زمن جميل!
ضيفنا المولود في العام 1922 بالعاصمة (المنامة)، وفي فريق المخارقة تحديداً حيث مرتع الطفولة والصبا والشباب، عاش في جو لربما يصعب أن يتوافر للكثير من الشباب في زمننا اليوم إن لم يمتلكوا فكراً حراً وثقافة تقبل الآخرين واحترام الآراء ووجهات النظر، تماماً كما هو الحال مع احترام الأديان والمعتقدات، ولهذا، وعندما كان في السابعة عشرة من العمر، أراد أن يكون عنصراً فاعلاً في ثقافة المجتمع، فشارك في تأسيس نادي العروبة في العام 1938 وهو إلى الآن يحمل العضوية الشرفية فيه… يتذكر ذلك المنزل الذي تم اختياره كمقر للنادي على شارع الشيخ عبدالله بالمنامة ملاصقاً لمجلس المرحوم الشيخ خلف العصفور، وفي غرف ذلك المنزل الأربع، كان المخرق ومجموعة من الشباب كعلي دويغر وحسن جواد الجشي ورضي الموسوي وإبراهيم الخياط وغيرهم من أبناء البحرين يحاولون رفد المجتمع بمساهمة ذات انطلاقة حماسية ثقافياً ورياضياً واجتماعياً.
وفي أواخر الخمسينات، وتحديداً في العام 1957، كان الحاج جعفر المخرق يعد العدة للسفر إلى بريطانيا مبتعثاً من قبل وزارة الصحة مع دفعة من الموظفين الشباب ليتعلموا الإدارة في دورة تدريبية امتدت 9 أشهر، وهو حديث شيق لكن… لنتابع تفاصيله هنا:
رحم الله ملا عبدالعزيز
الحاج جعفر، سنبدأ من المدرسة الأهلية التي تعلمت فيها وهي مدرسة المرحوم الأستاذ إبرهيم العريض… ولنبدأ قبل المدرسة بالمرحوم الملا عبدالله الماحوزي فمن هو؟
– ولدت في العام 1922 في فريق المخارقة بالمنامة، وحينما بلغت سن الخامسة من العمر أخذني والدي لتعلم القرآن الكريم في المطوع المرحوم الملا عبدالعزيز الماحوزي وهو بالمناسبة مؤسس مكتبة الماحوزي بالمنامة، وكان رحمه الله رجلاً معلماً فاضلاً محباً للخير ويحبه أهل المنامة من كل الطوائف والطبقات، ومن بعد المطوع مباشرة تم نقلي في سن السادسة إلى مدرسة المرحوم الأستاذ إبراهيم العريض وهي مدرسة أهلية… مدرسة خاصة باصطلاحنا اليوم، وكان المرحوم العريض يدرسنا مع كوكبة من المعلمين الأفاضل المرحومين من أمثال الأستاذ رضي الموسوي والأستاذ حسن جواد الجشي، وللعلم كان هؤلاء المعلمون وغيرهم يعملون متطوعين في تعليم الطلبة بالمدرسة، والبعض الآخر بنظام المكافأة.
موقع مدرسة الأستاذ العريض
أين كان موقع المدرسة بالضبط حتى يتسنى للقارئ أن يعيش بيئتها آنذاك؟
– في المنامة… نهاية شارع الشيخ عبدالله وهي اليوم عبارة عن مبنى يواجه مباشرة المخبز الشرقي المتفرع على طريق الباخشة الذي يمر عليه موكب العزاء في عاشوراء… هو مبنى ملك المرحوم منصور العريض وقدمه للمدرسة مجاناً، وكانت المدرسة آنذاك تحوي فصلين فقط… للصغار المبتدئين وفصل آخر لمن هم أكبر سناً، وكنا نتعلم المواد الأساسية كاللغة العربية والإنجليزي والحساب والجغرافيا، وبالمناسبة، كانت تلك المواد قليلة لكنها مكثفة لذلك كان الطلبة يجيدون التحصيل بشكل أيسر مما لو كانت المواد كثيرة ومتعددة وثقيلة كما هو الوضع اليوم، وبقيت في المدرسة الأهلية حتى العام 1934 أي إلى إتمام الشهادة الابتدائية، وتخرجت من المدرسة ولي من العمر 12 عاماً، وبدأت في البحث عن عمل، في الوقت الذي كان فيه والدي يرفض فكرة الوظيفة، حكومية كانت أم غيرها، مع أن الوظائف الحكومية وقتذاك متيسرة لمن يحمل الشهادة الإعدادية ويتقن الكتابة والقراءة باللغتين العربية والإنجليزية، لكن الوالد رحمه الله لم يكن مشجعاً للوظيفة واصفاً إياها بإنها مقيدة للرزق، لذلك، فهو يشجعني على العمل الحر وكان من بين ما أراده لي أن أعمل كسائق تاكسي فهي أكثر حرية وربحاً…
علبة «العرانص» الأنيقة!
الحاج جعفر قبل أن نركب سيارة التاكسي ونذهب معك إلى حيث بدأت عملك دعنا نقف قليلاً عند ذكريات المدرسة… مَنْ من الطلبة تتذكر؟
– كلنا في المدرسة الأهلية أحباب وأصدقاء وأهل… عائلة المسقطي، العليوات العريض، كانو، القصيبي، فخرو وكل العوائل البحرينية، بل إنني أتذكر أن صديقي الدكتور جليل العريض اتصل قبل فترة قصيرة مضت طالباً أسماء الطلبة الذين كانوا معنا في المدرسة، وذكرت له قائمة ضمت 56 طالباً، وأريد أن أقول شيئاً مهماً وهي أن المدرسة الأهلية كانت تحتسب روبيتين شهرياً كرسوم (200 فلس)، وللعلم، كان الكثير من أولياء الأمور لا يدفعون الرسوم، بل أتذكر أن هناك 20 طالباً من الطائفة اليهودية معنا هم الذين كانوا ملتزمين بدفع الرسوم ولا يتأخرون، والمهم في الأمر، أننا منذ صغرنا عشنا هذا التواصل بين الأصدقاء المسلمين واليهود والنصارى والإيرانيين وغيرهم كلهم معنا في المدرسة نتعلم معاً ونلعب معاً… ودعني أقول لك إن بعض أولياء الأمور حين علموا بأن هناك مجموعة من الطلبة اليهود اعترضوا على الإدارة رافضين أن يكون هناك يهود يدرسون مع أولادهم فقال لهم الأستاذ إبراهيم العريض كما أتذكر: «إذا أردتم أن يتعلم أبناؤكم فأبقوهم في المدرسة مع زملائهم يدرسون!»، وكان حازماً في هذا الجانب، فوجد البعض من أولياء الأمور باباً آخر فقالوا :»لا نريدهم أن يشربوا معنا الماء»… وهذه أيضاً من الأمور التي لم يكن يقبلها المعلمون… فلسنا في ذلك الزمان كما هو الوضع اليوم… تفرقة بين بني الإسلام… بين سني وشيعي.. وكذلك بين غني وفقير… وخائن وشريف وما إلى ذلك من مسميات كريهة للغاية… وكان أولئك المعلمون الأفاضل يقدمون قيمة الإنسان كإنسان، لا علاقة له بمذهبه وبما يؤمن من معتقدات وأفكار… فرفض البعض ذلك الكلام فما كان من اليهود إلا أن أبلغوا ذويهم فقاموا بإحضار إناء فخاري كبير وأنيق (حب)، ومعه كأس جميل من البلاستيك… بصراحة علبة أناناس (عرانص)… (يضحك)…: «وصار الأولي والتالي يشرب من ذاك الماي»…
النار والدخان… العريش يحترق
الله.. هكذا كان مجمع المنامة في العشرينات والثلاثينات وهو أمر يستدعي أن نحزن عليه اليوم؟ لكن يبقى البحريني الأصيل الطيب هو هو؟ متعاون… غير طائفي… قلبه نظيف؟ يعني مثلهم في ذلك مثل حريق العريش أليس كذلك حجي جعفر؟
– مجتمع المنامة من الناحية الاجتماعية في تلك الحقبة… العشرينيات والثلاثينيات إن تحدثت عليهم كصبي صغير، تكاد تكون هي الحالة العامة في المجتمع البحريني الهادئ الذي يعيش على صيد اللؤلؤ والزراعة وصيد السمك والتجارة، وهو الحال في عموم البحرين… لكن هي صورة جميلة أراها هكذا… بلاد هادئة مستقرة… فيها الفقير والغني، لكن لا تجد ذلك التمييز بين الغني والفقير، والفقراء كانوا يتواصلون مع الميسورين كما رأيت وعايشت أنا شخصياً، ولعلك لو سألتني عن مسقط رأسي فريق المخارقة، لقلت لك بأن ذلك الحي من العاصمة فيه الأيدي العاملة الاقتصادية لكل المهن: التاجر، البناء، النجار، الصفار، وإذا أراد أحد أن يشيد له منزلاً فكل العمال المهرة هنا في المخارقة… زد على ذلك أن معظم البيوت كانت مفتوحة طوال الوقت ولن تجد الحراس، ولربما أنقل لك صورة كانت تتكرر دائماً وهو اشتعال الحريق في البيوت المشيدة من سعف النخيل (العرشان)… وهي كما تعلم قابلة للاحتراق بفعل استخدام نار الطبخ أو إشعال موقد أو إنارة أو ما شابه، فتجد الناس تهرع مع بعضها البعض لإطفاء الحريق وإنقاذ حياة الناس، وليس هذا فحسب… بل ما هي إلا ثلاثة أو أربعة أيام حتى يقوم الجيران بتشييد العريش المحترق من جديد في أحسن حالة.
بالطبع أنت تعيدني إلى مكان في الذاكرة أحب الحديث عنه كثيراً، وهي منطقة فيها استئناس بالنسبة لي، فقد كنت أرى الناس تسعى لأرزاقها بنفسية طيبة كريمة، ويتجاور الغني والفقير… نعم ربما وجدت منزلاً لرجل ميسور مشيد من الطين والجص والنورة وحوله عرشان لمواطنين فقراء، لكن إذا جئت لطعامهم فترى الفقير يأكل الرز مع اللبن وكذلك الغني، وقد يأكل الأغنياء السمك ويحصل عليه الفقراء أيضاً… ولهذا كنت أقول، إنني أرى أن الإنسان لو كان يعيش في كوخ، ويعود من بعد الكد والمشقة في العمل إلى بيته مساءً ليضع رأسه على وسادته وينام مرتاح البال والضمير، فذلك أفضل من ثري ينام على في قصر على فراش ناعم من حرير لكنه لا يستطيع النوم من شدة التفكير والقلق.
«التسكام» ووقعة الغواويص
صدقت حاج جعفر… ولكن في أواخر الثلاثينات ولربما في العام 1928 أو في العام 1928 شهدت المنامة ما عرف باسم (وقعة الغواويص)، أليست تلك واحدة من المشاكل المعيشية والاقتصادية آنذاك؟
– لعلني أؤرخها في العام 1929 وكنت آنذاك في الثامنة من العمر، لكنني شهدت جزءاً مما كان يجري في سوق المنامة وكذلك أستمع إلى أحاديث الكبار، وما أذكره هو أن عدداً كبيراً من الغواصين ثاروا بسبب الجوع وعدم دفع الأجور، لكن الله يشهد، لم أسمع أو أرَ أن هناك سرقات وسطواً لأن أولئك الناس جوعى ويريدون أن يصرفوا على ذويهم أبداً! وكنت ذات يوم في سوق الطواويش عندما سمعت بأن مجموعة كبيرة من الغواصين كانوا في حالة هيجان وشجار مع عدد من الطواويش والنواخذة والسبب كما قيل آنذاك إن أولئك الغواصين لم يحصلوا على التسكام (التسكام أو التسقام أو التسجام هي الأجرة التي يدفعها النوخذة للغواص بعد أن يتفق الاثنان على العمل معاً في موسم الغوص، فيقوم النوخذة أو الطواش بدفع التسكام وهو عبارة عن دفع أجرة وتموين لعائلة الغواص من مواد غذائية تكفي طيلة الفترة التي سيقضيها الغواص في البحر والتي تمتد ما بين 4 إلى 6 أشهر)… لكن الذي حصل هو أن المحصول على مدى موسمين أو ثلاثة لم يكن كبيراً فلم يتمكن النواخذة من دفع التسكام وتراكمت عليهم الديون فلم يتمكنوا من الدفع للغواصين فهاجوا! وقد تدخلت الشرطة وتواجدوا لساعات في سوق المنامة لفضّ المنازعات.
وجهاء وأعيان مخلصون
وماذا كان دور الحاكم والوجهاء وقتها؟
– تدخل العديد من التجار والأعيان لإصلاح الوضع وتواصلوا أيضاً مع الحاكم المغفور له الشيخ سلمان لحل المشكلة ولمساعدة كل الأطراف، وبرزت إلى الساحة أسماء مثل المرحوم أحمد فخرو والمرحوم منصور العريض وغيرهم ممن تدخلوا لكي لا تكبر المشاكل، وهؤلاء وغيرهم أيضاً كان لهم الدور فيما بعد حينما حاول البعض إثارة صدام بين الطائفتين الكريمتين في العام 1953 والتي منها انطلقت فكرة هيئة الاتحاد الوطني من الناس المخلصين في العام 1954، وكذلك كان على الساحة أسماء مثل المرحومين السيدكاظم العلوي وأحمد العمران وغيرهم ممن لا أتذكرهم جيداً… كانوا مخلصين للوطن ويتدخلون لرأب أي صدع ويتواصلون مع الحاكم بكل صدق وإخلاص وليس كما هو الحال اليوم.
بالنسبة لتشكيل الهيئة، أرى أنها تشكلت وحمت البلد من تبعات خطيرة، لكنني في ذلك الوقت لم أكن من بين الشباب الذين يميلون إلى السياسة، وكان الوالد يحذرني دائماً بالقول: «إذا رأيت أناساً يركضون فلا تركض وراءهم حتى تتبين وتعلم السبب وراء جريهم، وحتى تدرك ما الغرض من ركض هؤلاء الناس، وعليك أن تتثبت أولاً حتى تعرف الحقيقة»، لكن كنت ممن يحبون حضور المجالس في المنامة وخصوصاً مجلس المرحوم الحاج منصور العريض فهناك يتابعون شئون البلد وأوضاع الناس وكانت أحاديثهم مفيدة بالنسبة لي.
غواص ينجو بأعجوبة
طيب حاج جعفر ما هي القصة التي استحوذت على اهتمامك فيما يتعلق بالغواص الذي نجا بأعجوبة من العاصفة؟
– كانت القصة مذهلة بالنسبة لي كطفل… في السوق، كان هناك غواص يأتي بين حين وحين ليزور التجار… وكان وقتها يحكي القصة لبعض التجار، فكان يقول إن عاصفة هوجاء ضربت البحر ذات ليلة وبذل كل من على ظهر (المحمل)… السفينة جهدهم للنجاة، فانقلب المحمل وجاهد كغيره في السباحة، وكان يتلو آيات من القرآن الكريم ويدعو الله سبحانه وتعالى ويذكر المعصومين سلام الله عليهم، واستمر لبعض الوقت في تلك الحالة يذكر الله ويسأله النجاة ولم يجد نفسه إلا في منطقة ضحلة تمكنه من الوقوف على قدميه… ولأن الظلام حالك مشى إلى أن وصل إلى الشاطئ، وفيما بعد اكتشف أنه على ساحل قرية السنابس.
المخارقة لم يعرفوا حرفة غيرها
نريد الحديث عن الطواويش وخرامي اللؤلؤ من عائلة المخرق التي عرف اسمها لارتباطها بهذه المهنة؟
– يا ولدي أستطيع القول إنه منذ أن مات الطواويش ماتت المهنة معهم، فبالنسبة لعائلة المخرق، كانوا كلهم يمتهنون الطواشة، ولكنها كما تعلم مهنة قضت نحبها! (يبتسم)… فمهنة الحلاقة أفضل منها لأنها باقية حتى اليوم وصامدة… أودّ أن أقول إن الكثير من الناس في ذلك الزمن لا يحسبون حساب الموازنة والصرف، فيما يجمعونه في الصيف يصرفونه كاملاً في الشتاء… (يبتسم)… وإذا زادت النقود في يد أحدهم فإنه يفكر أول ما يفكر في الزواج من ثانية… وربما فكر في السفر، لكن القلة القليلة كانت تفكر في الاستثمار، وهناك عوائل بحرينية كالجلاهمة والقصيبي وغيرهم ممن أعرفهم عملوا في تجارة اللؤلؤ وفي الوقت ذاته اجتهدوا للتفكير والتخطيط للمستقبل… وخصوصاً تجار اللؤلؤ بشكل عام.
أساس مهنة الطواشة وخراق اللؤلؤ (خرم حبات اللؤلؤ) هو جدنا المرحوم الحاج مكي المخرق، ثم امتهن أبناء العائلة كلهم هذه المهنة بل لم يكونوا يعرفون مهنة غيرها… وأنا شخصياً لم أعمل مع الآباء والأجداد في هذه المهنة لكنني تعلمت الخرامة بالطريقة البدائية، ولكن حدثت بعض الظروف والمشاكل التي دفعت بجدنا الأكبر والد الجد الحاج مكي رحمه الله، وغيره من رجال العائلة إلى الهجرة… بعضهم استقر في البحرين والبعض الآخر سافر إلى القطيف والمحمرة، والجد الحاج مكي بعد أن واجه الكثير من الظروف والمشاكل سافر إلى القطيف ولله الحمد، توفق وتيسرت أموره، وأنجب هناك كل من كاظم ومحمد، وبعد وفاته، عاد ابنه محمد إلى البحرين فكانت علاقته بالمرحوم الشيخ عبدالرحمن بن عبدالوهاب آل خليفة علاقة صداقة قوية، وعمل مع الشيخ يحصّل يتابع أملاكه في المنامة وبعض أملاك المرحوم الحاج مكي وأنسابه، وكان بعضها في قرية الغريفة بالجفير عبارة عن بستان كبير، وبعض الأملاك غير المسجلة في فريق المخارقة، لكن بعد عودة محمد لم يقبل أن يأخذ أي أرض ليست مسجلة باسمه، وأريد أن أنوّه إلى ملاحظة هنا تصحيحاً لبعض الأفكار الخاطئة، فهناك العديد من العوائل البحرينية الأصيلة سافرت إلى مدن عدة كالقطيف ومسقط والبصرة والعوامية، وبعد عودتهم، أصبحت شهرتهم مرتبطة بالمدن التي هاجروا إليها وعادوا منها كالمسقطي والعوامي والبصري والقطري والقطيفي… كانوا ضمن الهجرات لكنهم عادوا بعد سنين محتفظين بانتمائهم للبحرين.
أول تجربة في التجارة
سنتكلم حاج جعفر عن أول تجربة لك في التجارة والعمل، متى كان ذلك؟
– في أواخر الثلاثينيات، وكنت شاباً يافعاً وكانت حياتنا ميسورة الحال، قررت أن أبدأ العمل في التجارة، ففتحت دكاناً برأس مال ستين روبية في سوق المنامة لبيع المواد الغذائية والفحم وبعض الاحتياجات المنزلية، وعملت في المحل لمدة ثلاث سنوات، وكان لديّ صديق منذ أيام المدرسة وهو المرحوم عبدالعزيز بن الشيخ علي، كان يزورني بين حين وحين في الدكان، فقال لي ذات يوم: «ما الذي يبقيك في هذا الدكان من الصباح حتى المغرب ولا يزيد مدخولك عن 3 روبيات؟»، كان يعمل في دائرة الكهرباء فأبلغني بأن الدائرة في حاجة إلى موظف يجيد القراءة والكتابة باللغة العربية والإنجليزية، فلماذا لا تأتي للعمل معي؟ وقد أخبرته حينها بأن الوالد لا يشجع على الوظيفة الحكومية بل كان يريدني أن أعمل سائق تاكسي لأن مدخوله أفضل من الوظيفة، إلا أن صديقي المرحوم عبدالعزيز طلب مني أن أفكر في الموضوع وخصوصاً أن الراتب يتراوح بين 40 إلى 50 روبية.
هكذا اكتشف والدي السر
فكرت في الموضوع جيداً، ثم قررت الالتحاق بالعمل في دائرة الكهرباء وبالفعل توظفت كمشغل هاتف في مبنى الكهرباء بالقرب من باب البحرين، وصرت أعمل في الدكان وقت فراغي فقد كان العمل في الكهرباء بنظام النوبات… لكن ذات يوم، جاء والدي إلى الدكان ووجد جاري وصديقي المرحوم الحاج جعفر بن يوسف بن حمد، فسأله الوالد وكأنه شعر بشيء: «أين جعفروه؟»، فرد عليه صديقي بأنه لا يدري أين أنا! لكن الوالد له الوالد: «بل أنت تدري عنه… هو يميل إلى الوظيفة وليس إلى التجارة… أنت ستصبح تاجراً وهو سيبقى موظفاً»! وبالفعل، أصبح المرحوم الحاج جعفر بن حمد تاجراً، لكنني حينها استطعت إقناع والدي، وواصلت عملي في الوظيفة وفي الدكان إلى العام 1947 حين نقلت إلى وظيفة أمين صندوق في الكهرباء، ومن ثم وفي العام نفسه توظفت كأمين مخازن في وزارة الصحة، وعملت حينها مع مدير الصحة العامة الدكتور سنو، وواصلت العمل في وزارة الصحة حتى تقاعدت في العام 1979.
دورة الإدارة في بريطانيا
كنت ضمن أوائل المجموعات التي أرسلتها وزارة الصحة للتدرب والدراسة بالخارج متى كان ذلك؟
– كان ذلك في العام 1957 حين أرسلتنا وزارة الصحة إلى بريطانيا لحضور دورة في الإدارة استمرت 9 أشهر، وكان معنا وقتذاك العديد من البحرينيين الذين عملوا في إدارة القطاع الصحي منهم محمد رحمة التاجر، إبراهيم الزياني، يوسف العبيدلي وغيرهم، لكن الزياني والعبيدلي لم يواصلا العمل طويلاً فاستقالا، وكنا نعمل في مستشفى النعيم مع الدكتور سنو مدير الصحة العامة والذي كان يعمل معه عدد من الأطباء بين 2 إلى 3 ونحو 6 ممرضات من الهند، وفي العامين 1945 و1946 انضم إلى فريق الإدارة حميد صنقور… على فكرة، في ذلك الوقت، كان في مستشفى النعيم سيارتان: واحدة للدكتور سنو، والثانية سيارة شحن صغيرة (بيك أب)، أما احتياجات المستشفى من السوق فتم تخصيص عربة يجرّها حمار.
أول بعثة حج طبية
هل كنت ضمن أول بعثة حج طبية بحرينية، وفي أي عام كان ذلك ومن كان يترأسها؟
– شاركت ضمن أول بعثة حج طبية إلى الديار المقدسة في العام 1966 وكانت برئاسة المرحوم الدكتور راشد فليفل، كان هو طبيب الحملة وكان صاحب الفكرة حيث طرحها على المغفور له الشيخ عيسى، ويساعده شخص على ما أتذكر اسمه محمد بن الشيخ، ومن ضمن الفريق أيضاً: الممرض حبيب محمد غيث، والصيدلي محمد جعفر عبدالرضا… كنا أكثر من 10 أعضاء ونسافر إلى الديار المقدسة بالسيارات حيث ننقل سيارتي إسعاف وبيك آب إلى الخبر، بالإضافة إلى باص مخصص لأعضاء البعثة، والطريق كان شاقاً ووعراً غير معبد وكان من الصعب على سواق السيارات أن يتبينوا الطريق لكثرة تصاعد الغبار والأتربة.
وكيف كنتم تتصرفون إذا تعطلت إحدى السيارات… فلا استراحات ولا محطات بترول ولا ورش على الطريق كما هو الحال اليوم؟
– رافقنا فني ميكانيكا في الرحلة، وهذا الميكانيك كان يعمل لدى المغفور له الشيخ عيسى لصيانة سياراته، وأنا شخصياً شاركت في البعثة في ذلك العام فقط وبصراحة أقول إن المهمة كانت متعبة جداً، لكن كانت تجربة طيبة فقد وجدنا الكثير من المرضى من مختلف الجنسيات يقصدون بعثة البحرين لتلقي العلاج… حتى أن أحد الحجاج من أهالي القطيف زار العيادة وعندما جلس عند طبيب مصري يعالجه قرأ اسمه: «عبدالحسين جعفر إبراهيم المخرق»، فقال له الطبيب: «هل لك صلة قرابة بجعفر المخرق؟»، فاندهش الحاج وقال: «أين هو؟ هل هو معكم؟»، فناداني الطبيب وحضرت وصرخ الحاج… ولد عمي! وتعانقنا وكان لقاءً جميلاً لايزال باقياً في ذاكرتي.
عموماً، حسب وظيفتي كمسئول مشتريات بوزارة الصحة، أتعامل مع الكثير من التجار وكانت لديّ صداقات كثيرة اعتزّ بها منهم مَنْ هم في عمري أو أكبر أو أصغر مني وكان منهم أصدقاء طفولة، وخصوصاً المرحوم الحاج عيسى الزيرة، فهو تاجر كبير وهو لي أكثر من صديق بل أخ عزيز، وكثيراً ما ساعدني وساعد غيري ولم يكن يتأخر في مساعدة أهل البلد دون النظر إلى من يكونون ومن أي طائفة أو من أي جنسية.
ورطة العمل في الغاز
قبل أن نختم اللقاء حاج جعفر، ما هي قصتك مع المرحوم السيدمحمود العلوي الذي شاهدك تحمل أسطوانة الغاز؟
– (يبتسم)… كان أخي المرحوم عبدالمحسن قد بدأ عمله في بيع الغاز، وكنا نتعامل مع أصدقائنا عائلة الشماسي، وهم الذين اقترحوا على أخي أن يعمل في بيع الغاز، وقام أخي بالفعل، وبمساعدتهم في إحضار الآلات والصهاريج وطلب مني أخي أن أعمل معه مساءً أي بعد انتهاء دوامي في وزارة الصحة، وكان ذلك في الستينات… المهم، استأجر أخي محلاً في المنامة وكما نشتري أسطوانات الغاز من العجاجي الذي كان يعمل أيضاً في الغاز مع محمد علي الحسن (غاز البحرين)، ويشترون الغاز من شركة أرامكو السعودية.
لقد كان العمل في الغاز شاقاً أيضاً، فكثيراً ما كانت تتأخر الشحنات وتتعطل الطلبات كثيراً، وعملية نقله صعبة للغاية… على أي حال (يضحك)… تورطت في الشغلة مع أخي ولم أكن استطيع تركه! وخصوصاً بعد أن افتتح أخي مؤسسة غاز المخرق، وعلى أي حال، تعرضت لوعكة صحية شديدة آنذاك، وأصبت بالتيفوئيد ورقدت بالمستشفى وأتذكر أنه بسبب سوء حالتي الصحية كانوا يغطونني بالثلج من شدة ارتفاع درجة حرارة جسمي… وبعد أن تعافيت، عرض علي مدير الصحة العامة وكان وقتها الدكتور علي محمد فخرو أن أسافر للعلاج والاستجمام في الخارج، ورتب لإجراءات السفر وأرسلني للسيدمحمود العلوي الذي قال لي مازحاً: «من قال لك أن الحكومة تمنح تذاكر سفر ومصاريف للاستجمام؟»، فغضبت حينها وقلت له بأنني لم أطلب، فرد علي بالقول: «هل تريد أن تعمل في الحكومة أم مع أخيك في الغاز؟»، فقلت له إنني أعمل مع أخي لزيادة دخلي، فتفاجأت حينها بقول السيدمحمود العلوي إنه شاهدني وأنا أحمل أسطوانة الغاز إلى منزل شقيقه السيدموسى العلوي! وبعد ذلك منحني 500 روبية، ورتب لي إجراءات السفر إلى بيروت.
بالتأكيد، هناك مراحل كثيرة ربما لا يسعفنا المجال لذكرها أو استذكارها مع ضيوفنا في حديث الذكريات، لكن ما أجمل تلك اللحظات المتاحة التي نعيشها مع ضيوفنا الذين كانت لهم إسهامات في خدمة الوطن والمواطنين… منهم من غادر الحياة ومنهم من نسأل الله أن يطيل أعمارهم، فتجاربهم في الحياة نور يستضيء به الجيل الجديد.
كذلك المدرسه الجعفرية في الثلا ثينيات من القرن الماضي عندما كان الوالد سالم العريض مديراً لها كانت تظم طلبه من الجاليه اليهوديه والمسيحيه ومدرسين كذلك التحقوا بها لتدريس اللغه الانجليزية
Your comment is awaiting moderation.
كذلك المدرسه الجعفرية في الثلا ثينيات من القرن الماضي عندما كان الوالد سالم العريض مديراً لها كانت تظم طلبه من الجاليه اليهوديه والمسيحيه ومدرسين كذلك التحقوا بها لتدريس اللغه الانجليزية
Reply
أضف تعليقك