ذاكرة اللؤلؤ: منصور العريض (ملك اللؤلؤ البحريني)
نشأته:
هذه الأسرة العربية التى نزحت من نجد كانت تعيش في منزل بالمنامة قرب مأتم مدن بفريق المخارقة، ولد منصور وهو الابن الأوسط في سنة 1896 م،(الأكبر جعفر والأصغر رضى) وسط عائلة ثرية، إذ إنّ أبوه محمد حسين العريض واحد من أكبر التجار المعروفين في القرن 19م ، تاجر لؤلؤ يبيع بضاعته في بومباي بواسطة وكيل له هناك.
في العام 1902 هبطت أسعار اللؤلؤ ولم ترسل إلى محمد حسين أي مبالغ من الهند، مما أدى إلى وقوعه في ضائقة مالية وديون بلغت 18 ألف روبية، الأمر الذي جعله على حافة الإفلاس.
كان يمتلك والد منصور العريّض بستاناً كبير في الشاخورة ودالية في الماحوز، وبقي يعاني من قلّة ما في يده من سيولةـ إذ إنه يعيش وسط عائلة كبيرة، وقد تعرض في نهاية حياته إلى
العمى وتوفي في 1330هـ.
في ظل هذه الظروف عاش طفولته، علمته أمه خديجة بنت نصر العصفور قراءة القرآن والكتابة .
بعد وفاة والده، ورث منصور مهنة أبيه وصار يخرج مع رجلين من أهلة ( محمد، عبد الوهاب) لشراء اللؤلؤ من سيهات ودارين (منطقتان في السعودية)، كان محتاجاً إلى المال ليواصل تجارته، فبيعت أملاك أبوه وحصته كانت 4 آلاف روبية في سنة 1914م.
نقطة التحول في حياة العريّض
في العام 1917م زار الهند وتعرف على الكثير من الأمور ورجال المال .. إذ تعتبر الفترة من 1914 الى 1924 م هي نقطة تحول في حياة منصور ومركزه المالي والاجتماعي .
كان في الصيف يذهب إلى سيهات ودارين والشتاء يسافر إلى الهند لإتمام صفقة تجارة اللؤلؤ،
ولكنة لم يركز على تجارة اللؤلؤ فحسب بل اتجه إلى شراء الأراضي الزراعية، فقد أشترى عام 1348هـ الموافق 1929م قطعة أرض كبيرة تمتد من مركز الشرطة في المنامة إلى (المغيثة) وهي منطقة مغمورة بمياه البحر لنهاية حدود المنامة من جهة الجنوب ومن الشرق شارع الكويت حاليا ومن الغرب قرية الزنج.
وكان منصور العريض من أوائل من أنشأ وطور المشاريع الزراعية التي ساهمت في زيادة الإنتاج الزراعي في البحرين .. فقد ..
- أوجد وظائف عمل إلى عدد كبير من العمال البحرينيين.
- أدخل في مشروعه تربيةأنواع مختلفة من المواشي والبقر والدجاج
- ابتدع أول نظام حديث للري، بعد أن كان المعتمد على المياه الجوفية والسابات حولها إلى نظام الري بالعيون الارتوازية
- جلب العجلات الخشبية من الهند ليسهل عمليات النقل والتنقل.
- جلب الكثير من الخضروات التي بالهند وبدأ زراعتها بالبحرين وبدأت الأسواق تنتعش بتجارة أخرى.
- صمم مزرعة تجارب; ليجرب زراعة المحاصيل التي يجلبها من الهند وعليها خبير زراعي يسمى “الأصفهاني”.
- جلب أول مصنع حديث لتعبأت الألبان الطازجة.
العريّض.. أشهر الطواويش
في فترة الثلاثينات بدأت أزمة اللؤلؤ وهبوط أسعاره، وتحديداً في الفترة الممتدة بين 1923-1926م، فخلقت بذلك طبقة من ملاك الأرض والطواويش أشهرهم كان “منصور محمد حسين العريض”. معاملاته كانت مع أشهر تجار اللؤلؤ مثل كارتير,دمومداس,جيلمان,روب جدن وكان من أهم الشخصيات في لجنة اللؤلؤ والتحكيم
في الحرب العالمية الثانية، بدأ الاعتماد الكلي على الزراعة بسبب شح استيراد الغذاء، وعدم وفرة المال، ذلك بالإضافة إلى إغلاق المسالك البحرية والعالمية وخطر الملاحة البحرية، فأصبحت المنطقة في الفترة من 1941-1943 شبه مجاعة.
الحرب العالمية الثانية
كانت ديون التجار إلى منصور تبلغ مليون روبية، وعز على خاطره أن يطالبهم بديونهم وهم لا يملكون أن يطعموا أولادهم، فتنازل لهم عنها وأعطاهم صكوك بذلك في 1941م
وفي نفس العام قام بإنشاء جمعية من تجار البحرين لاستيراد الأغذية وتوزيعها على الفقراء وكان الاجتماع في مأتم العريض وظلوا مستمرين فيه ، إلى أن تبنت الحكومة هذا المشروع وأسست إدارة التموين .ولقد لعب منصور دورا بارزا فى جمع التبرعات و توزيع المعونة على الناس.
بيت العريّض..مقصد الأطفال في العيد
ما تعارف عليه الناس في يوم العيد بأن بيت منصور العريض يكون مقصد الأطفال والناس لأخذ العيديات، أما في اليوم الثاني للعيد يأتي المعتمد السياسي البريطاني وتقام له أطباق من الحلوى الخاصة وفي ظل أجواء من الضيافة الخاصة.
شخصية منصور العريض :
كان يتمتع بعدّة أمور من أهمها :-
لديه حس نقدي مرهف.
- التعامل الإنساني مع جميع الناس
- البساطة في كل شيء.
- ذاكرته القوية.
- شخصيته المميزة بين الناس.
- رؤيته الواقعية التي تنم عن حكمة في منظوره للأشياء.
- صادق في تعامله مع الآخرين.
- علاقته بالهند أعطته ثقافة بالطبقة الارستقراطية الهندية والطبقية
- يجيد أكثر من لغة.
- جرأته النادرة.
- دبلوماسي، إذ إنه يختار كلماته بعناية فائقة، وأفكاره التي يطرحها في عديد من القضايا التي يستشار فيها تكون ناجحة.
- معطاء، وحتى يحفظ ماء وجه السائل ويحفز على العمل، كان يقول: “إني لا أعطي دون عمل”
- وكما وصفه بلجريف بأنه “واسع الأفق وله أفكار متطورة وتاجر لؤلؤ ومن ملاك الأراضي وأحد أغنياء البحرين”.
مجلس منصور العريض :
كان مجلس منصور العريض يعد من أكثر المجالس حيوية من حيث التواجد المستمر لتجار اللؤلؤ والدلالين، وكان جاسم الجودر كاتب منصور وأمين سره.
ومنذ وفاة زوجته فهيمه 1951م أصبح بيت منصور مقاماً للعديد من تجار اللؤلؤ من قطر وأبو ظبي ودبي والكويت، وظل مفتوحا بيته للضيافة إلى أن توفي عام 1968م وهو البيت الوحيد الذي بقي يقدم خدمات الضيافة لتلك الفترة من الزمن.
كانت تثار في تلك المجالس، ـ إلى جانب موضوعات البيع والتجارةـ، الكثير من الموضوعات الأدبية، والمشاكل السياسية والاقتصادية، إذ كانت فترة الخمسينات من أخصب السنوات الفكرية في العالم العربي، وكانت ترد إلى منصور الكثير من الدوريات والكتب وكان يهتم بهذا الجانب كثيراً.
أيام اللؤلؤ الأخيرة :
في منتصف الأربعينات أخذت الأسواق في التناقص ومشروع الغوص الكبير في الانكماش واستمر تناقص سفن الغوص عاماً بعد عام.
وفي العام 1946م حدث أمر خطير، كان له وقع الصاعقة على قلوب الناس، فلقد أمرت الحكومة الهندية بفرض حظر على دخول اللؤلؤ الطبيعي إلى بلادها، بعدما كانت هي السوق الرئيسي لمشتريات اللؤلؤ من البحرين، فكانت بمثابة الكارثة التي حلت على رؤوس الناس وأسدل الستار على تلك التجارة ومن ثم موتها إلى الأبد.
منصور العريض و أسهاماتة الوطنية :
لقد بدأ الإصلاح الإداري منذ العام 1923م، وتحولت البحرين من القانون الطبيعي إلى القانون المدني، وكان هاجس منصور منذ ذلك الوقت وتطلعاته للإصلاح، فقد كان ثمرة تلك الإصلاحات التي تتمتع بها البحرين، والرائد في ثمرات التفاهم.
في 1934م كتبت رسالة إلى الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة حول موضوع إصلاح المحاكم الشرعية وقد كان منصور من أحد موقعي هذه الرسالة.
في 1935م اجتمع منصور مع مجموعة من أصحابه الذين قاموا بكتابة الرسالة واتفقوا على كتابة رسالة شكر إلى سموه
في مارس 1935م أعلنت الحكومة عن تكوين لجنة لجمع كل القوانين السابقة الصادرة عن الحكومة وقد كان منصور واحد من بين ثلاثة قاموا بجمع القوانين.
في أكتوبر 1938م قامت الحكومة بنشر إعلان هام تنص فيه على أنها ستفتح المحكمة الشرعية الجعفرية وقد صدر القرار بتعين شخصيات بارزة كقضاة للمحكمة الشرعية الجعفرية، وعلى إثر ذلك قام وفد يترأسهم منصور العريض بزيارة المستشار وأبدوا ارتياحهم من الإجراءات التي اتخذوها بخصوص فتح المحكمة وتعيين القضاة.
لقد لعب دورا بارزا في تقنين الأحكام وزيادة التمثيل النسبي فى المجلس التجاري(المجلس العرفي) و البلدي و اصلأح التعليم
كان عضوا فعالا في الأوقاف الجعفرية وأموال القاصرين والمجلس البلدي كما كان من اهم الداعمين و المتبرعين لنادي العروبه .
منصور العريض و المشاريع الأسكانية
لقد ساهم منصور في مساعدة الكثير من أبناء الوطن لأمتلاك مساكنهم عن طريق دفع أقساط ميسرة ومن بعض هذه المناطق التى أقيم عليها المشاريع الأسكانية : منطقة السنابس , بلاد القديم,السقية
منصور العريض و انشاء بنك البحرين الوطني
لقد لعب منصور العريض دورا بارزا في انشاء بنك البحرين الوطني حيث كان احد اهم المؤسسين للبنك بعد ذهابه مع بعض التجار الي حاكم البحرين الشيخ سلمان للحصول على رخصه البنك حيث كانت الفكرة غير مقبولة من المستشار شارلز بليجريف.
منصور العريض في مذكرات بلجريف
يشير بلجريف إلى أنه في عام 1953م قام تيار قوي من تحت السطح، مسببا عدم الاستقرار السياسي، ورافق هذا التيار مقالات عنيفة في الصحف المحلية، وقد وقعت اختلافات في الأمور الاجتماعية، والتي على إثرها استقال ثلاثة من أعضاء مجلس بلدية المنامة، وحاول حينها بلجريف جاهداً في إقناعهم في العدول عن ذلك، وكان أحدهم منصور العريض، والذي كان مقربا، بل وصديقا إلى بلجريف، فيشير إليه بالقول: “إن أحد الأعضاء الثلاثة ذو شخصية مختلفة، وينحدر من أسرة كبيرة معروفة، أنجبت صالحين وشاعراً مشهوراً، كان تاجراً للؤلؤ طواشاً، وقد اتسم بالجسم الضخم والبدانة، لديه معلومات واسعة عن القضايا السياسية والاجتماعية” وكان بلجريف يشير في هذه الفقرة إلى منصور العريّض.
فى 1954 لما قامت حوادث أطلاق النار بين الشرطة و حشد من الناس أدت الى مقتل و جرح بعض الأشخاص وكان منصور له دور بارز فى حل هذة الأزمة. حيث تم تعينه قاضى من قبل الشيخ سلمان و ذكر بليجريف بأن حكمة منصور العادلة للقضية كانت أفضل من بعض القضاة المعينين في المحكمة.
في 1957م فقد بصره والذي أنهى فيه عمله كتاجر لؤلؤ.
منصور العريض والشيخ سلمان وبليجريف
كانت علاقة خاصة وحميمة حيث كان يسأل لأبداء الرأى فى الكثير من الأمور التى تتعلق فى البلاد حيث كان صادقا وحكيما وله افكار متقدمة.
لقد اختتم منصور العريض حياته بعد حوادث 1956م، والتي بدأها منذ العشرينات من القرن الماضي، وأسهم خلال أربعة عقود فيما يحدث على الساحة السياسية من قضايا كان لها التأثير الكبير على التطور السياسي والاجتماعي والإداري في البحرين.وقد توفي فى عام 1968م
