المنامة شيّدت أول سينما في الخليج ! رغم معارضة كبار السن بحجة المفسدة
تعد المنامة واحدة من أوائل عواصم دول منطقة الخليج العربي التي شهدت نهضة ثقافية واسعة في مطلع القرن الماضي شملت مجالات عدة، ولعل المجال السينمائي يعد واحدا من أهم هذه المجالات. إذ يرجع تاريخ المحاولات الأولى لفتح سينما في البحرين إلى مطلع عقد العشرينات، وكان ذلك في العام 1922 على يد محمود الساعاتي الذي أنشأ أول دار عرض سينمائي، وكانت عبارة عن كوخ يقع على ساحل البحر الى الغرب من موقع محاكم البحرين القديمة “موقع كريمكنزي فيما بعد” إذ كان البحر يصل بأمواجه المتلاطمة الى تلك المنطقة قبل ردمها في سنوات لاحقة من القرن العشرين. وضع بالكوخ 30 كرسيا ووضعت لوحة خشبية كبيرة عبارة عن شاشة، أما سعر التذكرة “التي لم تكن سوى قصاصة ورق صغيرة” فلم يتجاوز الآنتين.
بعد ذلك أخذ الحديث عن السينما وعما تعرضه من أفلام ينتشر بين أهالي البحرين، الأمر الذي زاد شهرتها وتردد الناس عليها، حتى جاءت فترة الثلاثينات لتشهد هذه التجربة طفرة أخرى. ففي العام 1937 شهدت البحرين فترة ازدهار اقتصادي بسبب العوائد المادية العالية للغوص ومن شركة نفط البحرين، إضافة الى عوامل أخرى مثل انتشار التعليم عن طريق المدارس الحكومية، وتأسيس الأندية الثقافية، هذا عدا عن تطور المسرح الأمر الذي خلق مناخا ثقافيا وأدبيا، بالاضافة الى انتشار المكتبات التجارية في البحرين. كل تلك العوامل دفعت ببعض الشباب البحرينيين، وهم: الشيخ علي بن عيسى آل خليفة، وعبدالله الزايد، وحسين يتيم للسعي لفتح دار سينما بالبحرين.
نجاح وسبق على رغم المعوقات
لم يكن انجاز مثل هذا المشروع بالأمر السهل في تلك الأعوام، وقد جاءت أول ردود الفعل السلبية تجاهه من كبار السن الذين عارضوا المشروع من منطلقات مختلفة ومعظمهم وجده من الأمور المفسدة التي تؤدي الى انحراف الشباب وخصوصا أولئك الذين لا توجد لديهم قدرة على شراء تذاكر الدخول، هذا عدا عن إفسادها لقيم المجتمع.
مرسح البحرين… صيفا وشتاء
وعلى رغم ذلك فقد تمكن الشباب من فتح دار السينما تلك في العام 1937 في المنامة واطلق عليها اسم “مرسح البحرين” أو سينما الوطني أو الوطنية، كما عرفت فيما بعد وكان موقعها هو الموقع الحالي نفسه لسينما الحمراء، وكان أول ما عرض فيها فيلم “وداد” من بطولة أم كلثوم.
من الصعوبات التي واجهت دار السينما تلك كانت ظروف المناخ، ما حدا بأصحاب المشروع إلى تأسيس مبنيين أحدهما صيفي والآخر شتوي. وكان المبنى الصيفي عبارة عن مساحة كبيرة مكشوفة محاطة بأربعة جدران استخدم أحدها كشاشة عرض. أما المبنى الشتوي فكان مسقوفا الا أن ذلك لم يمنع تسرب الهواء البارد ومياه الأمطار في بعض الأحيان الى المبنى. واستخدمت كراسي المقاهي في المبنيين ووزعت وفق مستويات ثلاث، الأولى وقيمة التذكرة روبية، والثاني 12 آنة، والثالثة 6 آنات، ولم يكن دخل السينما السنوي يتجاوز 154 روبية.
دعايات وإعلانات سينما زمان
في العام 1939 ازداد الاقبال على السينما، ويرجع جزء من الفضل في ذلك الى صحيفة “جريدة البحرين” التي أصدرها عبدالله الزايد، والتي أخذ ينشر فيها الاعلانات المروجة للأفلام التي تقدمها السينما. من بينها اعلان نشر في 10 اغسطس/ آب 1939 يقول:
مرسح البحرين يقدم “جيبون” و”لتا” في فلم .300
وبعد أسبوع ينشر إعلانا آخر:
مرسح البحرين يقدم فيلم “فتى الملايين” و”الراقص” ثم يقدم فيلم “بنت طرزان” الذي يريك المدهشات مما لا تصدق أن في طاقة البشر عمله. أو ذلك الذي كتبه الزايد في 15 اكتوبر/تشرين الأول ،1939 ويقول نصه “نظرا لاقبال الجمهور على مشاهدة فيلم “كله إلا كده” المصري وحيث انه لم يعرض اكثر من 4 مرات قررت إدارة المرسح استمرار عرضه أياما أخرى”.
وما يؤكد الشهرة التي نالتها السينما هو زيارة الملك عبدالعزيز آل سعود لها ومشاهدة أحد أفلامها في العام .1939
أخبار الحرب… على رغم انحيازها
وباشتداد أوار الحرب العالمية الثانية تم تسخير جريدة البحرين والسينما الوطنية للدعاية للحلفاء وكان ذلك من الفرص الفريدة التي ساعدت المواطن البحريني على مشاهدة بعض حوادث الحرب من وجهة نظر الحلفاء. فقد مد الانجليز الزايد بأشرطة تبين سير الحرب وانتصار الحلفاء على دول المحور متجنبين تزويده بالاخبار التي تبين انتصار دول المحور في بعض المواقع.
بعد ذلك اخذت دور السينما في الانتشار في المنامة والمحرق حتى بلغ عددها مع بداية الستينات سبع أو ثماني دور من بينها الوطنية، الأهلي، اللؤلؤ، البحرين، أوال، المحرق، هذا عدا عن سينما ” RAF” بالمحرق وسينما العوالي والسينما التابعة للبحرية البريطانية. وكانت هذه الدور تعرض جميع أنواع الأفلام الأميركية والعربية والأوربية والهندية.
سينما لكل قرية… وتكييف الحمراء
في أواخر الخمسينات وبداية الستينات ظهر ما يعرف باسم السينما المتنقلة وهي فكرة بدأتها شركة نفط البحرين. إذ تقوم الشركة بعرض الأفلام التثقيفية والتربوية في قرى ومدن البحرين مستغلة مباني الأندية أو الباحات العامة، وكانت العروض تتم باشراف المخرج البحريني المعروف خليفة شاهين.
أما أول دار سينما مكيفة في البحرين فقد تأسست في العام 1968 وهي سينما الحمراء التي اقيمت على انقاض السينما الوطنية، وهذا العام نفسه شهد حصول “شركة البحرين للسينما وتوزيع الأفلام” على امتياز عرض وتوزيع الأفلام.
المزيد عددا … وجودة
وفي الأعوام الأخيرة من القرن العشرين تم افتتاح المزيد من دور السينما المتطورة إذ تم افتتاح سينما دلمون الأولى والثانية في مجمع التأمينات في العام ،1996 ثم سينما مجمع السيف في العام .1998
وفي العام 1999 افتتحت شركة البحرين للسينما صالتي عرض في مجمع العلوي بالنويدرات بلغ عدد المقاعد فيها 228 مقعدا لكنها اغلقت بعد مرور عامين على افتتاحها.
وفي العام 2002 افتتحت 11 صالة عرض حديثة بمجمع الدانة.
ومن المشروعات المستقبلية لشركة البحرين للسينما افتتاح 20 صالة عرض بمجمع مركز البحرين التجاري المنوي انشاءه في ضاحية السيف.
وبهذه المجموعة من الصالات السينمائية تعيد مملكة البحرين تاريخها المجيد في هذا المجال، فكما كانت سباقة في المنطقة، فإنها ستكون الأولى من حيث توافر أضخم وأكثر صالات عرض سينمائية في المنطقة، وهكذا يعيد التاريخ نفسه.
من محاضرة ألقاها الأستاذ منصور سرحان، مدير المكتبات العامة بمسرح الجزيرة في شهر مايو/ أيار .2005