MANAMASTORY
MANAMASTORY
6 أبريل 2018 وجوه من المنامة

من سيرة أحمد العمران “مربي الأجيال”

المربي الفاضل “أحمد العمران” أحد أهم الاسماء التي عرفتها المنامة والبحرين بل و الخليج في القرن الماضي ، فهوأحمد بن علي موسى العمران ، و كان أول وزير للتربية و التعليم لدولة البحرين في عهد الاستقلال عام ١٩٧١م كما كان مستشارًا لصاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين الراحل و قد ارتبط اسمه بالتعليم قرابة نصف قرن من الزمان على مدى القرن العشرين ، منذ أن كان مدرسًا مسائيًا في مدرسة الهداية الخليفية سنة ١٩٢٣م إلى أن تولى العديد من المناصب الإدارية لدائرة المعارف في البحرين لفترة ثلاثة عقود على وجه التقريب.

كان يعرف بالمربي الكبير و مربي الأجيال ،و رائد الحركة التعليمية في البحرين و مؤسس قاعدة التعليم في البحرين ، ومؤسس التعليم النظامي الحديث . قيل أن ” العمران شخصية كأن الزمن البحريني كان ينتظرها ، فجاء ليرسم لها طريق الريادة في التعليم ” ، و قيل ” أن العمران كان مع التعليم على موعد .. لم يتقدم عنه و لم يتأخر، كان حاضرًا بطول ثلاثة أرباع قرن ، فاعلًا مؤثرًا و متأثرًا .. ساهم في التعليم منذ البداية حتى اليوبيل الذهبي” . و هكذا كان ركنًا أساسيًا من أركان النهضة في البحرين في الفترة من الثلاثينيات إلى السبعينيات و أحد كبار التربويين في منطقة الخليج آنذاك .

ولادته و نشأته :
ولد أحمد العمران سنة ١٩٠٩ م لأب بحريني هو التاجر علي بن موسى العمران ، و أم عمانية هي السيدة شيخة بنت حسن بن حمدي الزرافي ، و كانت من النساء القلائل في تلك الفترة اللواتي كنّ يحسن القراءة و الكتابة في محيطهن المحلي . و كان الابن الوحيد لأمه . و منذ طفولته برز نبوغه و حبه للإطلاع و المعرفة ، و حسب ما هو متبع في تلك الفترة من الزمان جاء تعليمه كالتالي :

*تعلم تلاوة القرآن الكريم لدى إحدى المطوعات
*استقدم والده له مدرسًا خاصًا لتعليمه القرآن و الكتابة و الخط و الحساب
*انتقل إلى مدرسة السيد عبدالوهاب الطباطبائي الكويتي في سوق المحرق
*واصل دراساته العليا (حسب ما هو متعارف في تلك الفترة) في مدرسة الهداية الخليفية فور تأسيسها في الفترة من سنة ١٩١٩-١٩٢٣ م

عرف بالفتى الذكي !

أحب العلم منذ نعومة أظافره ،وحرص على أن ينهل منه بكل الطرق التي اتيحت له في عصر لم تكن الوسائل التعليمية متوافرة ، و لا الإمكانات المادية موجودة ، و لكن بسبب توقد ذهنه و ولعه بالكتب ، علم نفسه على ضوء الشموع ، من كتب أوراقها صفراء رثّة ، و حبرها باهت ، و مجلداتها متآكلة ، غير أنه ثمنها بأغلى ما يملك لشغفه بالعلم و المعرفة. و بسبب نبوغه المبكر تم تعيينه مشرفًا على مدرسة الهداية و هو لا يزال في الثانية عشرة من عمره. كما و قد اختير قبل ذلك من بين طلبة المدرسة ليلقي كلمة ترحيبية بالأديب اللبناني أمين الريحاني لدى زيارته البحرين آنذاك .

من ذكرياته :
من أبرز ذكريات طفولته ضمن حياته الدراسية و التي شكلت منعطفًا مهمًا فيها ، كانت أثناء تواجده في مدرسة الهداية الخليفية عندما جاء إلى البحرين العلامة الشيخ محمد عبدالله الصولان اليمني (العسيري) خريج الأزهر و خريج الكلية العثمانية الرياضية في اسطنبول ، فاغتنم أحمد العمران هذه الفرصة الذهبية لحبه و شغفه بالعلم ، و تتلمذ على يدي فضيلته ، و حضر حلقاته التدريسية التي كانت تعقد غالبًا في مسجد المدرسة بعد صلاة العصر و صلاة العشاء ، و انهمك في اكتساب المعرفة بجد ونشاط يسهر الليل ، ويقضي أطراف النهار بكل ما توفرت له من كتب و ملازم و مراجع و أدوات و آلات و مذكرات بعضها مطبوع ، و بعضها بخط اليد ،و بعضها الآخر تملى من الذاكرة و هكذا ، كان يعمل معه زملاء آخرون ، و لكنه الوحيد الذي صمد في بوجه صعوبات المواد التي كان يتلقاها . و لقد تعلم عن الشيخ علوم اللغة و التطور و التفسير و الفقه و الحديث و العروض و الميراث ، و تعدى ذلك إلى علم الجبر و الهندسة و الحياة و الفلك و غيرها. و لقد نبغ في هذه العلوم و أجادها ، و تحت اشراف استاذه و مدير المدرسة العتيقي اليمني ، كتب أحمد العمران عددًا من المؤلفات في معادلات الحساب و الغوص ، و جدول أوزان اللؤلؤ ،و التوقيت الشرعي للصلاة ،و رؤية الأهلة و الحساب و الفلك ، و تطبيق المعادلة الجبرية اتجاه التوريث الشرعي. و لقد طبع الكثير من هذه المنجزات في المطابع الهندية و تم توزيعها في البحرين .

و عبر السنوات استكمل العمران مقررات الدراسة الثانوية ، و أغلب الدراسات العليا التخصصية في فروع مختلفة ، مهد له بذلك براءات مختومة من مصادر علمية مختلفة و حصل على شهادة الأستاذية صادق عليها مجلس التعليم عام ١٣٤٦هـ ، و تجدر الإشارة أنه خلال هذه الفترة الصعبة من الدراسة ، كان بالإضافة إلى كونه طالبًا في مدرسة الهداية قد عين أيضًا مدرسًا فيها في فترة ما بعد الظهر لتدريس الحساب و مسك الدفاتر. و كان للضرورة كذلك يعمل فترة الصباح في مكتب والده التجاري بسوق المحرق ليقوم بشئون سجلات المكتب التجارية و المكاتبات المتبادلة.

كيف واصل دراسته :

لم يغب عن ذهن أحمد العمران أهمية اللغة الإنجليزية. فقصد كل ما كان متوفرًا من مصادر المعرفة آنذلك لتعلم اللغة و إجادتها

* ففي سنة ١٩٢٨ م كان من أوائل أبناء البحرين المبتعثين إلى الجامعة الأمريكية في بيروت لاستكمال دراسته فيها ، و هناك التحق العمران بالقسم الخاص متقدماً على زملائه ، و أمضى سنتين و صيفًا واحدًا في الجامعة الأمريكية يدرس و يناقش مع مدرسيه و زملائه في الصفوف العليا من الجامعة أمورًا و قضايا تتعلق بالثقافة العربية و العالمية ، و شتى صنوف المعرفة و مجالاتها ، و أساليب إعداد أجيال المستقبل . و بعدها عاد إلى البحرين ليزاول مهنة التدريس ثانية في مدرسة الهداية الخليفية لمدة سنتين.
*و في أواخر صيف ١٩٣٢م ترك البحرين ، و اتجه إلى الجامعة الأمريكية في طهران ملتحقًا بها كطالب و مدرس في نفس الوقت ، غير أنه اضطر للعودة إلى البحرين لظروف عائلية خاصة .
*و بدأ بتدريس أنجال حاكم البحرين آنذاك صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة.
* في عام ١٩٣٤ إلتحق أحمد العمران بدائرة الكهرباء، التي كانت تعرف بدائرة مهندس حكومة البحرين، و كانت تشرف على على شئون الكهرباء ، و سيارات الحكومة ، و مدرسة الصناعة ، و منح رخص القيادة، و مراقبة ضخ النفط. و عمل مساعدًا لرئيس تلك الدائرة الذي كان بريطانيا آنذاك ، فاكتسب خبرة طيبة و انتفع من اللغة الإنجليزية فيها .

أهم المحطات في مسيرة أحمد العمران المهنية :

*عمل مدرسًا بمدرسة الهداية الخليفية بين عامي ١٩٢٣-١٩٢٨م ، و كذلك بين عامي ١٩٣١-١٩٣٢م
*عمل بوظيفة مساعد للرئيس في دائرة مهندس حكومة البحرين في الأعوام ما بين ١٩٣٤٠١٩٤٢م
*عمل أمين سر لبلديتي المحرق و الحد في الأعوام ما بين ١٩٤٢-١٩٤٦م
*أمر حاكم البحرين صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة أن يقوم العمران بعمل مدير المعارف عام ١٩٤٥م بالإضافة إلى مهامه الأخرى.
*ثبت رسميًا مديرًا للمعارف عام ١٩٤٧م.
*تنقل بين مناصب متعددة في التربية و التعليم ما بين مدير ، و مدير عام ، و رئيس ، و وزير للتربية و التعليم من عام ١٩٤٧م و حتى عام ١٩٧٢م.
* عين عضوًا في المجلس الإداري للدولة في الأعوام ما بين ١٩٥٦-١٩٧١م ، (و تحول المجلس الإداري إلى مجلس الوزراء بعد استقلال البحرين.)
*عين مستشارًا لصاحب السمو أمير البلاد الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة منذ عام ١٩٧٢م و حتى وفاته.

مهامه الأخرى:

*كلف كمسؤول في الدولة في عدة مناسبات للقيام بسفرات لتوصيل رسائل خاصة متبادلة بين حاكم البحرين و حكام الخليج آنذاك ، و كذلك رؤساء بعض الدول العربية.
*بأمر من حاكم البلاد آنذاك قام بتمثيل البحرين في مناسبات رسمية مختلفة في العالم العربي و الخارجي.
*رافق أمير البلاد في زيارات و مهام رسمية متعددة في بلدان الخليج و العالم العربي و بريطانيا و غيرها.
و خلال سنوات الحرب العالمية الثانية:
*شارك في العمل في اللجان الوطنية المتعددة التي كانت مسؤوليتها توزيع المنتجات الغذائية في الدولة إلى جانب مسؤوليات الدفاع المدني المختلفة.
*عمل مذيعًا غير متفرغ في إذاعة البحرين عام ١٩٤١م لتوصيل أهم الأخبار و رسائل التوعية المحلية .

من عرف أحمد العمران يذكر أنه كان رجلًا قياديًا و إداريًا و منظمًا إلى أقصى الحدود ، إذ كان يزاول عمله بكل دقة و إتقان ، كما كان عمليًا واقعيًا لا يتردد في إتخاذ القرارات و تنفيذها. و كان كذلك يشرف شخصيًا حتى على أصغر الأمور ليتأكد من سير العمل حسب المطلوب .

بعض السنوات المضيئة في تاريخ التعليم في عهده :

*إنشاء أول مكتبة عامة عام١٩٤٦م.
*إشراك البحرين في المؤتمرات التربوية بصورة منتظمة عام ١٩٥٠م
*إفتتاح أول مدرسة ثانوية للبنات ١٩٥١م
*إفتتاح المعهد العالي للمعلمين عام ١٩٦٦م
*إفتتاح المعهد العالي للمعلمات ١٩٦٧م
*إدخال البحرين و إلحاقها بمنظمة اليونيسكو عام ١٩٦٨م
*إفتتاح كلية الخليج الصناعية عام ١٩٦٨م
*بدء تقليد الاحتفال السنوي بعيد المعلم عام ١٩٦٨م

ما هو الوجه الآخر لأحمد العمران ؟

إن أحمد العمران لم يكن معلمًا و مربيًا فحسب ، بل كان كذلك عالمًا في الحساب و الفلك يقوم بجميع العمليات الحسابية “في ذهنه” بمهارة و سرعة فائقة ، كما كان خبيرًا في الشئون الهندسية المعمارية و الكهربائية، ربانًا لليخوت، و شديد الولع بهواية صيد السمك. لم يكن شغفه في البحر كهواية فقط ،و لكنه مبنيًا على أسس علمية دقيقة . كان كذلك الميكانيكي الذي يعرف معرفة دقيقة كل تفاصيل الأجهزة التي يسيرها . صمم هو بنفسه عدة بوانيش على الطراز التقليدي ، و التي تتناسب مع مياه الخليج، مضيفًا إليها جميع مستلزمات العصر الحديث . و من يعرف أحمد العمران يدرك أن هذه البوانيش كانت بالمستوى العالي الذي جعلها حديث هواة و محبي البحر في الخليج العربي . و لقد استفاد من بوانيشه بعد أن توقف عن ممارسة هواية الصيد لظروف صحية جهات رسمية خليجية عالية المستوى، رأت أن تستفيد من خبراته في هذا المجال.

كان العمران ملّاحًا مطلعًا على جميع قوانين الملاحة و تطبياقاتها، و ربانًا متمكنًا من السفينة التي يقودها. و كان عندما يبحر للصيد يقوم بذلك بعد دراسة خرائط مياه الخليج التي كان يعرفها معرفة دقيقة، و كان يدرس الأجواء و المد و الجزر، و يعرف التوقيت و الاتجاهات بناءً على تشكيلات النجوم و حركاتها، و كان يعرف الأهوية الخليجية و مصدرها و أوقاتها. كما و كان على علم و معرفة بجميع أنواع الأسماك المحلية و الإقليمية و العالمية و يعرف تفاصيل مراعيها .

من هو أحمد العمران الإنسان ؟
من يعرف أحمد العمران يذكر أنه كان أديبًا بليغًا ، و خطيبًا مفوهًا ، سريع البديهة ، حاضر النكتة و يتمتع بذاكرة ثاقبة. و كان رجلًا عصاميًا متواضعًا منفتحًا على الآخرين متقبلًا للاختلافات ، و لا يميز بين الناس بسبب دين أو لون أو انتماء أو جنسية، ، رغم مظهره الجاد كان عطوفًا كريمًا و سخيًا .
و مع أنه ولد في بدايات القرن المنصرم ، لم يكن يومًا رجل الماضي إلا في حكاياته الطريفة و حكمه. لقد عاش الحاضر بكل ثقة و قوة و عزم ،و كان دومًا رجل المستقبل في تطلعاته للتجديد و التغيير ، بل كان سابقًا لزمانه يجمع بين الأصالة و المعاصرة ، و كان يملك أفقًا واسعًا يسمو به إلى مستوى انساني يتخطى الحدود و الحواجز الضيقة .

One thought on “من سيرة أحمد العمران “مربي الأجيال”

أضف تعليقك

ملاحظة: بريدك الإلكتروني لن يتم نشره. الحقول المطلوبة بجانبها علامة *

*