MANAMASTORY
MANAMASTORY
24 مارس 2017 ذاكرة المكان

«مقهى حاجي»… قلب المنامة النابض على مدى ستة عقود

في موقع القلب النابض للتجارة في المنامة بالقرب من باب البحرين، يقبع «مقهى المسيلة» أو ما اشتهر بـ«مقهى حاجي»، والذي كان منذ خمسينات القرن الماضي، ولايزال يقدم المأكولات الشعبية على مدى 6 عقود متواصلة، جعل القائمين عليه وزواره من البحرينيين والخليجيين والأجانب، يعتبرونه أحد المعالم السياحية البارزة في البحرين.

عراقة هذا المقهى الذي تسبقه سمعته، هو ما حدا برئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخة مي آل خليفة، لتطلق عليه «دانة المنامة»، بحسب ما أكد أحد القائمين على المقهى.

وإذا زرت مقهى حاجي في الصباح، ستجد مؤسس المقهى حاجي غلام حاجي يشرف -إلى جانب ابنيه أحمد وزهير وقريبهم حسين حاجي- على جميع مراحل إعداد الوجبات التي تُقدم إلى الزبائن، وهي ذات المهمة التي اعتاد حاجي أن يقوم بها كل يوم على مدى أكثر من 50 سنة.

«الوسط» التقت بحاجي وابنه أحمد، وتحدثا عن بداية تأسيس أحد أقدم وأشهر المقاهي الشعبية في البحرين، والذي لايزال محافظا على أجواء ونكهات «زمن الطيبين».

 

البداية… وجبات بسيطة مع «القدو»

يقول حاجي الابن: «والدي اختار موقع المقهى في شارع الحكومة القريب من باب البحرين بالمنامة؛ لكونه القلب النابض للتجارة في باب البحرين، وكانت كل المراكب والبواخر في الخمسينات، لا يفصل بينها وبين المقهى إلا شارع، وهو ما أتاح للتجار -ووالدي أحدهم- والصيادين آنذاك، أن يجدوا فيها مكانا للاستراحة».

وأضاف «كان والدي يعمل في تجارة المواشي، وفي الوقت نفسه يعد الطعام بنفسه للزبائن، وكان يركز جل اهتمامه في أن يقدم طعاما طيب المذاق؛ لأنه يرى في زبائنه ضيوفا لا زبائن ينتظرون تقديم خدمة مقابل ما يدفعونه من نقود».

وتطرق حاجي الابن إلى بدايات عمله في المقهى، ويقول عن ذلك: «ترعرعت في مقهى حاجي، وكنت وأخي زهير نباشر طلبات الزبائن إلى جانب والدي، ولاأزال أتذكر أننا كنا نقدم وجبات بسيطة كان والدي يعدها بنفسه، كـ(اللوبة) و(النخي) و(الباجلة)، بالإضافة إلى أنواع من البيض، وفي فترة من الفترات كانت والدتي تساعد والدي في إعداد الوجبات».

وأضاف «أتذكر أن والدي كان يقدم في المقهى (القدو)، ولكنه في الثمانينات قام بتكسير جميع (القداوة) في المقهى، وقال إنه لا يود أن يضر زبائنه بسبب (القدو)».

صاحب مقهى حاجي يحتفظ بالعملة النقدية القديمة «الآنة» وكان سعر كوب الشاي في المقهى يتراوح بين آنة وآنتين

 

الإيجار بـ140 روبية…وكوب الشاي بآنة واحدة

ويمسك بزمام الحديث حاجي الأب، الذي يحرص على قيادة سيارته بنفسه صباح كل يوم من إحدى المناطق في المحافظة الشمالية حيث يقيم حاليا، إلى المقهى في قلب العاصمة المنامة.

إذ استذكر سعر إيجار مبنى المقهى في الخمسينات، والذي كان يبلغ 140 روبية في الشهر الواحد، وكان صاحب المبنى يأخذ الإيجار بصورة يومية ثم أسبوعية قبل أن تصبح بصورة شهرية.

فيما كان يتراوح سعر كوب الشاي الواحد بين آنة واحدة وآنتين في فترة الخمسينات، وسعر كوب الشاي بالحليب الخالص يصل إلى 4 آنات.

 

«الخباز كأنه مو لنا»

يؤكد حاجي الابن أن رواد المقهى هم من كل الفئات والأعمار، ومن البحرينيين والخليجيين والأجانب وغيرهم.

كما أكد أن المقهى كان مقصدا لعدد من الممثلين الخليجيين، الذين لاتزال جدران المقهى تحمل بعض صور زياراتهم إليه، وأن من بين هؤلاء الفنانين المرحوم علي المفيدي، والفنان المعروف سعد الفرج وغيرهم من الفنانين الكويتيين والسعوديين من الجيل الحالي.

بل إنه يجزم بأن الجملة المشهورة في مسلسل درب الزلق الكويتي «الخباز كأنه مو لنا»، اقتبست عن الخباز التابع لمقهى حاجي.

كما ذكر أن الشيف العالمي وولفغانغ باك، زار المقهى قبل أشهر والتقى حاجي الأب، وقال: «حين سألنا باك عن أسباب اختياره مقهى حاجي لزيارته، أكد أن عددا من الأشخاص أوصوه بتجربة وجبات المقهى. والواقع أنه استمتع كثيرا أثناء زيارته لنا وشارك في إعداد الخبز».

 

الإبقاء على الجدران «الجندل»

يؤكد حاجي الابن أن جدران المقهى لم تطلها أي تعديلات، حفاظا على شكلها التراثي، والأمر ذاته ينطبق على سقف المقهى الداخلي الذي لايزال متماسكا بفضل ألواح «الجندل»، حتى يشعر رواد المقهى بعبق الماضي ويستذكرون بذلك «زمن الطيبين»، على حد تعبيره.

وقال: «كنا نستخدم قاعة المقهى الأساسية حاليا، كمطبخ، ولكننا حولناه لاحقا إلى قاعة نستقبل فيها الزبائن. وهنا يجب أن أشيد بدور الشيخة مي التي شجعتنا وقالت عن المقهى بأنه بمثابة الدانة في المنامة، ونشكر إسهامها في تطوير المقهى».

كما تطرق إلى مطبخ المقهى الحالي الذي وصفه بأنه مزود بأجهزة تجعله في مصاف مطابخ المطاعم المصنفة بمطاعم الخمس نجوم، ناهيك عن تزويده بكاميرات مراقبة للتأكد من الحفاظ على التزام العاملين بقواعد النظافة في جميع مراحل إعداد الطعام.

 

الضيوف يأتون إلينا لا نذهب إليهم

وفيما إذا كان لديهم توجه لإنشاء فروع أخرى للمقهى، قال حاجي الابن: «نفكر في إنشاء فروع أخرى في دول الخليج، ولكن هنا في البحرين، كانت فكرة والدي أن الزبائن هم ضيوف يحلون عليه، وأنه لا يريد أن يذهب إليهم في أي مكان آخر، وإنما يستقبلهم في مقهاه الذي هو بمثابة بيته».

وأضاف «والدي لايزال يشرف بنفسه على الطعام المقدم للزبائن، بل إنه يشرف كذلك على مشترياتنا للمواد الغذائية المطلوبة لتجهيز الوجبات فجر كل يوم، وذلك قبل أن نفتح المقهى في الساعة الخامسة من صباح كل يوم».

انتشار المطاعم الشعبية أمر إيجابي

حاجي الابن حاملاً صينية لمختلف أنواع الوجبات التي يقدمها المقهى

لا يرى حاجي الابن في انتشار المطاعم والمقاهي التي تقدم الوجبات الشعبية أمرا مؤثرا على نسبة الزبائن التي تقصد مقهاه، ولكنه يرى في ذلك سمة إيجابية، وقال في هذا الشأن: «من الجيد أن يكون لدى الزبائن تعدد في خيارات المطاعم، ولكن الفارق أن تعكس هذه المطاعم طابعها التراثي بلا تكلف حتى في الأطباق التي تقدم فيها الأطعمة، ليشعر الزبون بأنه يأكل في بيته».

وتابع «في المقهى حرصنا على تقديم الطعام في أطباق غير متشابهة، حتى يعيش الزبون أجواء تناول الطعام في بيته». وأكد بأن حرصه وعائلته على مباشرة العمل في المطعم بأنفسهم، يأتي رغبة منهم في الحفاظ على الطابع التراثي الذي كان ومازال يميز المقهى.

الوسط-

العدد 5107 – الأربعاء 31 أغسطس 2016م الموافق 28 ذي القعدة 1437هـ

 

أضف تعليقك

ملاحظة: بريدك الإلكتروني لن يتم نشره. الحقول المطلوبة بجانبها علامة *

*