بورتريه المنامة : منصور بن رضي رائدا من رواد الثقافة والصحافة في البحرين
منصور محمود رضي هو أحد الهامات الصحفية التي ساهمت في مسيرة الصحافة البحرينية وكانت له بصمات واضحة في تطوير العمل الصحفي.
شغل منصور منصب رئيس تحرير مجلة المواقف منذ العام 1981 ولاكثر من 40 سنة حيث كانت هذه السنوات الطويلة حافلة بالعطاء.
مرت حياة رضي بالعديد من المراحل والمحطات الهامة بدءا من دراسته الجامعية في القاهرة ثم الرباط وعمله في حقلي التعليم وتنظيم العمل حتى انتقاله للعمل الصحفي. وسعى طوال مسيرته إلى التنوير والبناء وتعزيز روح التلاحم والنماء والاستقرار في الوطن وترويج قيم التسامح والسلام والتضامن بين ابناء الوطن.
منحته جمعية الصحفيين البحرينية العضوية الشرفية ودرعا في يوليو 2013 عرفاناً لدوره في مسيرة الصحافة البحرينية.
كما تم تكريمه من قبل صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الموقر في مايو 2014 في حفل تكريم رواد الصحافة والإعلام في البحرين.
النشاة والتربية
ولد الاستاذ منصور رضي العاشر من نوفمبر عام 1937 في فريق الحطب بمدينة المنامة. وهو الابن البكر للحاج محمود عبد الله بن رضي ولديه أخوان هما عباس وجعفر وأربع أخوات هن المرحومة أمينة وحصة وخديجة وليلى وأنيسة. وتربى وسط عائلة تعمل بالتجارة وفي بيت عرف بالكرم والضيافة. وكان والده يعمل في مجال استيراد وبيع المواد الغذائية كما كان عمه الحاج مجيد بن رضي تاجرا معروفا يمتهن الطواشة وبيع اللؤلؤ. وكان يرافق والده الى مكتبه او دكانه في سوق المنامة (الذي كان يعرف باسم الحفيز) وكان يعمل على مساعدته في استقبال الزبائن وبيع المواد الغذائية من السكر والرز والقهوة والدهن.
وتاثر الاستاذ رضي في طفولتة بمحيطه في فريق الحطب الذي كان يعتبر ملتقى للتنوع العرقي والديني حيث يعيش الشيعة والسنة واليهود والهنود بمختلف طوائفهم جنبا الى جنب واكتسب قيم التسامح والتنوع الثقافي والانفتاح. وكان الاستاذ رضي يتسم في صباه بالهدوء والطيبة وحب مساعدة الآخرين، كما كان شغوفا بالقراءة والإطلاع، وهكذا عاش حياة وادعة ومسالمة في كنف أهله و اهل الحي.
التعليم والدراسة
في نهاية الأربعينات التحق الاستاذ منصور رضي بالمدرسة الغربية بالمنامة حيث درس المرحلة الابتدائية. وبعد ذلك انتقل الى مدرسة المنامة الثانوية وهناك توسعت حلقة اصدقاءه وكان من زملائه الذين رافقهم خلال هذه الفترة أحمد حميدان وخليل ابراهيم رجب وحميد الصيرفي وجواد سالم العريض وميرزا المرهون وأحمد شبيب. كما توسعت اهتماماته الثقافية وتاثر من المناخ السياسي السائد في تلك الفترة والذي اتسم بالتوتر ضد الوجود البريطاني وشارك في الانشطة والفعاليات المطالبة بالإصلاح التي كانت تنظمها هيئة الاتحاد الوطني كما شارك في المظاهرات المؤيدة للوحدة والقومية العربية.
في هذه الفترة، زاد شغف الاستاذ رضي بالرياضة، وقد كان التنافس قوياً بين فرق المدارس البحرينية في مختلف الالعاب الرياضية. وقد انضم الاستاذ رضي الى الفريق الاول لكرة القدم وانضم ايضا لفريق كرة السلة كما شارك في فريق سباق المسافات الطويلة في مدرسة المنامة الثانوية.
وعمل الاستاذ رضي خلال هذه الفترة في التدريس المسائي ضمن برنامج تعليم الكبار ومحو الامية في مدارس البحرين.
وخلال العطل الصيفية اشتغل الاستاذ رضي في العديد من المهن حيث عمل موظفا مؤقتا في شركة بابكو ويذكر انه تقاضى 400 ربية شهريا من تلك الوظيفة، كما عمل في مجال النجارة في احد شركات المقاولات القريبة من مصنع التكرير، بالاضافة الى العمل مع والده في ادارة “الحفيز”.
في عام 1957 قرر الاستاذ رضي الذهاب الى الكويت لمتابعة دراسته الثانوية حيث نال شهادة الثانوية العامة (التوجيهية) وبتفوق من مدرسة المباركية عام 1958.
وبعد نيل الشهادة الثانوية، غادر الاستاذ رضي الى القاهرة ليكمل دراسته الجامعية حيث التحق بكلية الاداب في جامعة القاهرة ونال هناك شهادة الليسانس في العلوم الاجتماعية عام 1962م.
كانت فترة الدراسة الجامعية بالقاهرة حافلة بالأحداث والذكريات التي تركت وقعا كبيرا على حياته. ومن الطريف انه حصل على القبول في كليتين هما كلية الاداب بجامعة القاهرة وكلية الشرطة. وقد انضم الى كلية الاداب ولكن فضوله دعاه للذهاب ايضا الى كلية الشرطة حيث مكث فيها ثلاث شهور ولكنه قرر بعد ذلك الانسحاب، وكان زملائه في كلية الشرطة يلقبونه ب ( بتاع الاداب) وخلال فترة غيابه في كلية الشرطة قلق عليه زملائة في كلية الاداب وحسبوه مفقودا ولكن رئيس رابطة الطلبة البحرينيين في تلك الفترة السيد جاسم فخرو كان على علم بمغامرة الاستاذ رضي وطمأن رفقاءه عنه.
ويذكر الاستاذ رضي انه كان يحصل على منحة دراسية من الحكومة تبلغ 12 جنيه مصري شهريا بالإضافة الى رسوم الدراسة. وكان يقيم هناك في شقة ويقتسمها مع 4 من رفقاء الدراسة وهم حميد الصيرفي، وجواد بن سالم العريض، وسعيد العريض وزميل اخر اسمه عبد الرحمن.
وفي القاهرة شعر الاستاذ رضي بالفرق في الحياة المعيشية وطبيعة الحياة ولعبت تلك المرحلة دورا كبيرا بتوسيع مداركه واهتماماته الثقافية، وتأثر كثيرا بالأفكار القومية والعروبية السائدة في مصر تلك الفترة.
المهنة والعمل
بعد انهاء دراسته الجامعية في القاهرة، عاد الاستاذ رضي الى البحرين ليعمل مدرسا بمدارس البحرين الاعدادية والثانوية خلال الفترة من 1962 ولغاية 1965. ويذكر الاستاذ رضي موقفا طريفا انه ذهب لمقابلة الاستاذ أحمد العمران مدير المعارف آنذاك واشتكى له انه قدم اوراقه للعمل كمدرس منذ فترة طويلة وانه لم يتم توظيفه حتى ذلك الحين. وكان معروفا عن الاستاذ أحمد العمران اهتمامه وحرصه على مساعدة البحرينيين المتخرجين من الجامعات الخارجية، فما كان منه الا كتابة توصية بخط يده على قصاصة من الورق وطلب من الاستاذ رضي ان يقدمها لسكرتيره عند خروجه من مكتبه، وكانت تلك القصاصة تنتهي بفقرة “عش ودع غيرك يعيش”.
وهكذا عمل الاستاذ رضي مدرسا لمدة ثلاث سنوات في مدارس البحرين الاعدادية والثانوية، وبعد ذلك قرر التوجه الى المملكة المغربية برفقة زميل الدراسة عيسى الخان ليكمل دراساته العليا حيث كان يرغب في الانضمام الى احدى الجامعات العريقة هناك التي تستقبل طلبة أهل المشرق. وهكذا التحق بجامعة محمد الخامس ونال دبلوم الدراسات المتعمقة (الماجستير) في العلوم الانسانية عام 1967. وأصبح هناك طالب دراسات عليا ومدرسا في التعليم الثانوي المغربي في نفس الوقت خلال الفترة من 1965 لغاية 1971.
في العام 1971عاد الاستاذ رضي الى البحرين، وانضم لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية والتي كان على رأسها آنذاك زميل الدراسة الاستاذ جواد بن سالم العريض. وخلال فترة عمله بالوزارة اصبح الاستاذ رضي مراقب ورئيس قسم تخطيط القوى العاملة، وشارك في العديد من الانشطة والبرامج الدولية للإطلاع على الأساليب الحديثة في شئون تنظيم العمل للاستفادة ورسم السياسات ووضع الخطط الاستراتيجية الحديثة بهذا الحقل.
وهكذا، انضم الاستاذ رضي الى معهد العلوم الاجتماعية في الكويت وحصل على دبلوم الدراسات العليا في تخطيط القوى العاملة عام 1972، كما التحق بجامعة اكسفورد في بريطانيا وحصل على دبلوم العلاقات العمالية والنقابية عام 1976م، وحصل على دبلوم في مسح وإحصاء القوى العاملة، من الولايات المتحدة الأمريكية عام 1978م. وهكذا منذ العام 1971 لغاية 1981، وظف الاستاذ رضي معرفته وخبرته خلال 10 سنوات من عمله بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية لتطوير وتحديث القوانين والتشريعات الخاصة بتنظيم القوى العاملة في البحرين.
في العام 1981 بدأ فصل جديد من حياة الاستاذ رضي المهنية، حين قرر التقاعد من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية والاضطلاع بمهمة رئيس تحرير مجلة المواقف.
وارتبط الاستاذ رضي بمجلة المواقف وكان من المساهمين في تأسيسها وعضوا في مجلس ادارتها وكان صديقا ورفيقا لمؤسسها ورئيس تحريرها المرحوم عبد الله المدني.
وفي سبتمبر 1980، تم اعادة الترخيص لمجلة المواقف بالصدور من قبل وزارة الإعلام بناء على القرار الوزاري رقم (2) لسنة 1980 والذي حدد ملكية الترخيص لورثة المرحوم عبد الله المدني ووافق على تشكيل مجلس الإدارة والذي يتكون من (1) ورثة المرحوم عبد الله المدني، (2) منصور محمود رضي، (3) د. أحمد سالم العريض، (4) صلاح علي المدني.
وحين استلم المجلة الأستاذ رضي سعى للمحافظة على ارث المجلة وكرس في مقالاته الدعوة الى التوحد ونبذ الطائفية والدفاع عن قيم الديموقراطية والاستقرار السياسي، كما سعى الاستاذ رضي لتكريس منهج الاعتدال والتوازن وتقديم الموضوعات التي تخدم الوطن عبر انتهاج أسلوب الدفاع عن التعايش والانفتاح الحر.
وكان احد التحديات التي واجهها الاستاذ رضي هو قدرة المجلة على خلق قناعة جديدة لقرائها بهويتها الجديدة الإعلامية والثقافية، وتبديد الانطباع السائد حاليا عنها كمجلة محسوبة على فئة محددة. أما التحدي الآخر فتمثل في قدرة المجلة على جذب قراء الجدد وخلق قاعدة قوية من المعلنين والمشتركين.
وقد مرت المجلة وبعد مسيرة طويلة بالعديد من العقبات وطرق الاستاذ رضي جميع الابواب لمساعدتها، وعمل على وضع خطة تجارية متكاملة لها تشمل النواحي الإدارية والتسويقية والتمويلية للتغلب على المعوقات التي تقف في وجه تطور المجلة واستمرارها، وقد ظلت المجلة صامدة ومستمرة في الصدور رغم الصعوبات التي كانت اعترضتها.
انشطته الاجتماعية واهتمامات اخرى
هناك العديد من الانشطة الاجتماعية التي اشترك فيها الاستاذ رضي فهو من الرواد الاوفياء لنادي العروبة الذي تاسس عام 1939 وكان ناشطا في تلك الفترة ثم اصبح بعد ذلك عضوا في مجلس ادارة النادي ولعب النادي منذ تأسيسه حتى وقتنا الحاضر دورا كبيرا في رفد الحركة الثقافية في البحرين حيث هذا النادي العريق الكثير من العطاء والإنجازات الثقافية والاجتماعية والفكرية التي هي اليوم جزءاً أصيلاً من الحركة الثقافية والاجتماعية في وطننا العزيز.
وتم توزيع الهدايا التذكارية للأعضاء المكرمين وتوزيع الكتاب الوثائقي (75 عاماً من العطاء)، يحتوي هذا الكتاب على ثلاثة أقسام، القسم الأول “نادي العروبة وخمسون عاماً… 1939 – 1989″، “نادي العروبة وستون عاماً… 1939 – 1999″، بينما يتضمن القسم الثاني جزيرة المرجان حول ثقافة البحرين وبعض رواد النادي من مثقفي وأدباء هذه الأرض الأصيلة المعطاء، أما القسم الثالث فكان توثيقاً للسنوات الـ 15 الأخيرة من نشاط النادي والذي كان فيها النادي مقراً وملاذاً للكثير من الجمعيات والمنظمات والأنشطة الثقافية الوطنية والقومية، بعد ذلك تمت دعوة الأعضاء والضيوف على العشاء الذي أقيم على شرفهم.
والاستاذ منصور رضي ايضا عضو مؤسس لنادي البحرين للتنس الارضي عام 1980 ويشير كتاب «نادي البحرين للتنس، أربعون عاما من الإنجازات» إلى كوكبة من الأسماء اللامعة في لعبة التنس ممن كان لهم الفضل على مستوى اطلاق الفكرة والتأسيس والعطاء الذي لا ينضب ومن هذه الأسماء اسم الاستاذ منصور رضي، الى جانب الدكتور علي محمد فخرو، المرحوم أنور الشهابي، المرحوم عباس المحروس، عبداللطيف خالد العوجان، حسين الشملان، عماد المؤيد، حسن منصوري، د. جعفر الأبريق، المرحوم يوسف المؤيد، يعقوب القصاب، كامل الصالح، محمد أبل، المرحوم صلاح خنجي، يوسف خنجي، يوسف حيدر، خليفة خلفان، المرحوم د. زهير حمودة، ومن الوجوه النسائية الدكتورة سهيلة آل صفر، السيدة أمينة السندي، السيدة سهام هجرس، السيدة ليلى العنزور والدكتورة فايزة عجايبي.
الى جانب ذلك كان الاستاذ رضي ايضا عضوا مؤسسا لجمعية الصحفيين البحرينية عام 2001، وكانت تهدف الجمعية إلى تحقيق النهوض بالمستوى المهني والثقافي للصحافيين عن طريق الارتقاء والاهتمام بالدورات الصحافية والاستفادة من الخبرات العربية والدولية ورعاية الكوادر الصحفية وتشجيعها على الانخراط في العمل الصحفي، ورعاية حقوق الصحفيين والدفاع عن مصالحهم وتمكينهم من أداء رسالتهم الصحافية والعمل على ضمان الحرية اللازمة لهم لأداء واجبهم الصحافي، والمساهمة في نشر الوعي الصحافي ونشر الثقافة والمعرفة الإنسانية وتعميق الوعي لدى المواطن والنهوض بالصحافة الوطنية لتكون الوجه المعبر والصادق عن الوطن والمواطن، والإسهام في تطوير مهنة الصحافة والمحافظة على تقاليد وشرف المهنة.
وفي العام 2002، شارك الاستاذ رضي في الانتخابات النيابية عن الدائرة الثالثة بالمنطقة الوسطى تحت شعار لنعمل سويا يدا بيد لبناء مجتمع بحريني ديموقراطي تسوده الحرية والعدالة والمساواة بين الجميع كما تضمن برنامجه العمل على علاج البطالة وإصلاح النظم الادارية ودعم الحرية ومراجعة القوانين ونبذ الطائفية