أرجع لقاء استضافه مأتم مدن مساء أمس الأول الأحد (12 يوليو / تموز 2013)، العاصمة المنامة إلى أكثر من تسعة عقود مضت، لتضيء من جديد في تلك الأمسية «ملامح» المنامة ببريق أصالتها كأشهر مدينة للتسامح والتعايش والحضارة على مستوى منطقة الشرق الأوسط والعالم منذ القدم، ليتألق الحديث عن سيرة رجال أوفياء من رجالات العاصمة بدت ملامحهم تزداد اتقاداً في كتاب «ملامح».
وفي ذلك اللقاء الذي نظمته جمعية العاصمة للثقافة الإسلامية لتدشين النسخة الثالثة من مشروع التوثيق «ملامح» تحت رعاية رئيس مجلس الشورى علي صالح الصالح، التقى الآباء بالأجداد الباقين على قيد الحياة من الجيلين الثاني والثالث من أبناء العاصمة المنامة من الطائفتين الكريمتين ومن العوائل والأسر التي ضربت بأصالتها وعطائها بأوتاد بحرينية عريقة، إذاً… هنا المنامة… تلك البقعة التي انصهرت فيها كل الأطياف والمذاهب والقلوب المفتوحة قبل المجالس.
توثيق تاريخ العاصمة
وبدأ حفل التدشين الذي أداره العريف محمد باقر الشراخي بكلمة رئيس مجلس إدارة الجمعية علي الشعلة الذي لخص المشاعر بالقول: «تجمعنا ذاكرة العاصمة العزيزة… تجمعنا المحبة… يجمعنا الإخلاص الذي روى هذه الأرض»، ليشير من خلال سطور كلمته إلى أن فكرة مشروع التوثيق الذي حملته الجمعية على عاتقها طُرح قبل خمس سنوات على يد مجموعة من أبناء العاصمة عقدت العزم على استرجاع شريط ذكريات في مساحة جغرافية رائدة، فيما أوضح أن انطلاقة العمل رافقها الحصول على كمّ مذهل من الصور والمعلومات في غاية الثراء تؤسس لتوثيق تاريخ العاصمة، بيد أن الهدف من كل ذلك هو توثيق النسيج الاجتماعي وتجديد العلاقات بحسن التواصل والتفاعل الإيجابي.
وتطرق الشعلة إلى جوانب من أداء وعمل الجمعية التي تتبنى العديد من الأنشطة للاهتمام بمختلف شرائح المجتمع بمشاركة صغار وشباب المنطقة، وتشمل مشاريع وبرامج واصدارات بالإضافة الى الجوانب الفنية كفرقة الكشافة وفرقة الفجر الفنية، كما أن الجمعية لم تغفل الدور الكبير للمرأة، فانبثق منها مجلس نسوي يعنى بمشاريع النساء والفتيات، مختتماً بباقة من الشكر والتقدير والامتنان إلى فريق العمل وإلى كل من أسهم في اظهار كتاب «ملامح»، بكل ما فيه من جمال، إلى الوجود.
هي مدينة التسامح
«هكذا استطيع أن أسميها وأنا ابنها… هي مدينة التسامح»، تلك العبارة القصيرة كانت مجزية في كلمة راعي الحفل رئيس مجلس الشورى علي صالح الصالح الذي تناول، بعد أن أثنى على جهود الجمعية ودور فريق العمل في إصدار «ملامح»، مشهداً رائداً يتحدى الزمن وهو يحمل صورة المدينة التي ضمت أتباع كل الأديان والشرائح والفئات والطوائف، وزاد قوله مخاطباً الحضور من خلال رسالة قصيرة مهمة: «هذا ما نحتاج إليه في هذا الوقت… في هذه الظروف التي تعيشها بلادنا… فنحن اليوم أكثر حاجة لهذه اللقاءات التي تحيي تراث الآباء والأجداد، وهي تسهم في إعادة التراث والألق الذي تميزت به هذه المدينة العريقة، وأتمنى في السنوات القادمة، أن يضم المشروع شرائح أكبر لنمزج بين الماضي والحاضر تحت عنوان الوحدة الوطنية التي نريد غرسها في نفوس الأجيال».
مشروع وطني للتوثيق
ومن خلال قراءته للمصنفات والإصدارات، طرح مدير المكتبة الوطنية منصور سرحان مقترحاً مهماً. ففي الوقت الذي يتم فيه بنشاط واحد ومقدر توثيق تاريخ المناطق والقرى، بقيت المنامة العاصمة بعيدةً عن هذا التوثيق، داعياً إلى اطلاق مشروع وطني لإصدار كتاب يوثق تاريخ المنامة.
ولفت في كلمته إلى أن دول العالم تتباهى بتاريخها وثقافتها وتراثها، والبحرين في طليعة الدول التي وثقت تاريخها عبر فترات مختلفة، ومن خلال مؤلفات وشخصيات ومصنفات تناولت تاريخها، وأودعت بين جنبات تاريخها مناطقها القائم منها والمندثر، ويشكل الإنتاج الفكري التاريخي من الكتب التي تصدر سنوياً نسبة 15 في المئة في البحرين لتتناول تاريخ المناطق والقرى والعادات والتقاليد، ولهذا، فإن الحديث عن المنامة ودورها التنويري على مدى العقود الماضية، وخصوصاً على مستوى التلاحم بين الطائفتين، فإنها لم تعط حقها من التوثيق بالشكل الصحيح، واصبح يُشار اليها بفقرات أو صفحات قليلة في تلك الكتب، فلم يكن هناك اهتمام بتوثيق تاريخ هذه المدينة العريقة عن المنامة سوى كتاب أصدره الفنان عبدالكريم العريض، «المنامة عبر خمسة قرون»، طارحاً مقترح مشروع كتاب وطني لتوثيق تاريخ العاصمة.
جذور تنقلها صفحات «ملامح»
وقدم مدير الفريق ونائب رئيس مجلس إدارة جمعية العاصمة للثقافة الإسلامية فاصل سيدعباس آل شرف قطعة أدبية في وصفه للمشاعر والانطباعات التي سادت فترة العمل في «ملامح»، والتي سادت في ليلة اللقاء: «بريق الشوق لصور نشب فيها الدهر مخالبه، كأنما تود العود إلى عالم الأريحية… أناس اختبرتهم الدنيا فوجدتهم نعم الرجال… مشاعر جياشة رمست في خيالها ملامح لأحبتها»، ليعلن مخاطباً حضور حفل التدشين أن العمل في إصدار النسخة الثالثة من المشروع التوثيقي «ملامح» تطلب شهوراً، كما تمت مراسلة 300 شخصية من أهالي المنامة لتوثيق سيرهم، معتذراً عن أي خلل أو نقصان وارد، فيما أفاض من الإشادة بجهود الشباب من فريق العمل، من الجنسين، ممن بذلوا من جهدهم ما أثمر عن هذا الإنجاز.
وفي محطته الأخيرة، كان مسك الختام هو تكريم رئيس مأتم مدن الحاج ابراهيم منصور، وتكريم فريق العمل في المشروع، وفي الوقت ذاته، تولت مسئولة القسم النسوي بالجمعية ماجدة الهاشمي تكريم المشاركات في المشروع، وسط غمرة الابتهاج والإشادات من أهالي المنامة والضيوف الذين عاشوا مع شخصيات من رجالات البحرين وقفت مع البحرين الوطن ومع المنامة العاصمة وقفة الرجال الأوفياء.