MANAMASTORY
MANAMASTORY
23 يوليو 2017 حوارات

السماهيجي: المنامة كانت مركز وعي البحرينيين ولم نكن نفرق بين سني وشيعي

أبوقوة – حسن المدحوب

في حديث الذكريات مع الحاج حسن علي السماهيجي، ذي الـ 92 عاماً، تحاوره وكأنك تفتح كتاباً مفصلاً لتاريخ البحرين، يمر بك على حال البحرين خلال الحرب العالمية الثانية، ويسرد جانباً من عوز الناس وفقرهم ومعاناتهم وقتها.

يتحدث عن أحوال الأهالي في المنامة حيث عاش ودرس وتاجر، يتذكر عوائلها وأهلها، وكيف كان الناس لا يعرفون عن بعضهم بعضاً إلا أنهم بحرينيون فقط، وليسوا سنة أو شيعة.

يتذكر هبَّة الناس خلال الخمسينات والستينات ضد الوصاية البريطانية على البحرين، وخوفهم من تطور الأحداث والتي توجت بتأسيس هيئة وطنية للمطالبة بالحقوق التي تتركز على مطالب معيشية في أغلبها تتعلق بتوفير الأعمال والوظائف للناس.

ويعرج السماهيجي بذاكرته على خطابات جمال عبدالناصر وكيف كان الناس يتسابقون للاستماع إلى خطبه، ثم يسرد جانباً مما جرى في الاستفتاء الاممي على عروبة البحرين، ولا ينسى أن يسير في شارع الذكريات على طريق انتخابات المجلس التأسيسي وانتخابات العام 1973.

وفيما يأتي نص حديث «الوسط» معه:

من أين تريد أن نبدأ في حديث الذكريات؟

– أنا حاليّاً عمري (92 عاماً)، دعنا نبدأ من الحرب العظمى (1939- 1945)، عندما حدثت كنت وقتها وكيل بضائع، حيث كانت البضائع تأتي من مسقط، وذهبت إلى دبي وقت الحرب، حيث كانت البحرين تحتاج إلى مواد غذائية، وذهبت إلى هناك واشتريت كميات من المواد الغذائية وجئت بها إلى البحرين.

كل تاجر كان يورد بضائع كانت الحكومة تعطيه مبادلة، أي رخصة للسماح له إخراج مبلغ محدد نظير ما يأتي به من الخارج من مواد؛ لأن السلع كانت حينها ممنوع خروجها من البلاد إلا عن طريق المبادلة؛ لأن البلاد كانت تعاني من شح المواد والسلع الأساسية.

وقتها من أين كانت تأتي أغلبية السلع، وخاصة الغذائية منها؟

– أغلبية السلع الغذائية كانت تأتي من الهند، أما الحبوب فكانت تأتي من إيران، عن طريق الفرضة ويتم إنزاله على شكل أكوام، وهناك شخص اسمه سلمان عواجي هو المكلف بالوزن، الحكومة كانت تشتري البضاعة وتأتي بها عن طريق تجار، ويتم تخزينها، ويعطى الناس كوبونات لتوزيعها عليهم، أما السلع المراد إخراجها من البلاد، فكان لابد من الحصول على ترخيص لها.

ما السلع التي كان التجار في البحرين يصدرونها إلى الخارج؟

– الأقمشة مثلاً، ويعطوني رخصة بشرط أن أعود بسلع غذائية مقابلها من الخارج، وقد كانت هناك تهريبات من الخارج، للسلع الغذائية عن طريق البحر، حيث لم يكن هناك وقتها خفر السواحل، السكر كان وقتها ممنوع إخراجه من البحرين، لكن عندما تقوم بشرائه مثلا بـ 60 روبية كان يمكن بيعه بمبلغ 300 روبية في الخارج.

في فترة الحرب العالمية الثانية، حدثنا عن التواجد العسكري البريطاني في البحرين؟

– كان هناك معسكر للانجليز ممتد حول قصر القضيبية، حيث كانت المناطق المحيطة به كلها بر غير معمور، ولا يوجد بالقرب منها منازل.

هل شاهدتم مظاهر مسلحة لهم، كالدبابات والسفن الحربية الكبيرة؟

– لا. كل ما كنا نشاهده هو المعسكر والجنود والخيام المنصوبة لهم، ويبدو أن مركز الجيش البريطاني في المنطقة كان موجوداً في البحرين، والقاعدة الأميركية الموجودة حاليا في البحرين، هي ذاتها كانت مركز الحماية البريطانية.

هل كان هناك حماس لدى الناس في تأييد الانجليز أو الألمان خلال الحرب؟

– الناس في تلك الفترة لم يكونوا يهتمون كثيرا بتأييد هذا الطرف أو ذاك، الهم الأكبر كان تأمين معيشتهم بسبب الجوع في البحرين، واذكر أن هناك تبرعات بالتمور كانت تأتي من البصرة وغيرها، وتوزع على الفقراء بالقرب من مدرسة العجم في المنامة، في مكان يسمونه «الباخشة»، أو حديقة الحكومة.

وهل كان أهل القرى يأتون إلى هذا المكان لتسلم هذه التمور؟

– كان غالبيتهم من القرى، وحتى البعيدة منها، ويباتون ليلهم ومن الصباح يذهبون إلى مكان التوزيع حيث يعطونهم «ربعة» أو «ربعتين»، وهي الأوزان المستخدمة وقتها.

تتذكر في تلك الفترة خلال الحرب العالمية الثانية أو ما بعدها بقليل، بدأ الناس يتداولون السياسة في البحرين؟

– على ما أتذكر فإن المطالبات بدأت من زمان الهيئة، على رغم أن الأوضاع كانت تطبخ من قبل ذلك، حيث كانت الأوضاع فيها تركز على وجود الانجليز.

وقتها هل كان بلغريف موجودا؟

– نعم كان موجوداً.

كيف كانت نظرة الناس إليه باعتباره كان مستشاراً؟

– نظرة الناس كانت ساذجة، كانوا يرحبون به في القرى، حيث كان يجول يوميّاً في القرى راكباً خيلاً ومعه مجموعة من المرافقين، كان هناك من يعتبرونه المنقذ لهم، وكانت هناك أطراف أخرى تعتبره ممثلاً للاستعمار.

هل كان منصفا في تعامله مع الناس؟

– الانجليز لا يوجد لديهم شيء اسمه الإنصاف، هم يتابعون فقط مصلحتهم، هم في النهاية مستعمرون، واذكر أننا سمعنا أنهم كانوا يسعون وفق سياسة فرق تسد إلى وضع ممثل عن السنة وآخر للشيعة، حتى أن هذا الموضوع كتب في صحيفة «صوت البحرين» التي كان يرأسها عبدالله الزايد.

هل كانت هذه الصحيفة تطبع أعدادها أثناء الحرب؟ وهل كان لها قراؤها من البحرينيين؟

– نعم، وكان للصحيفة مكتب كبير في المنامة، وكانت توزع في كل مكان، وكنا جميعاً نقرأها.

حتى في القرى؟

– أغلب الناس كانوا في القرى

عن ماذا كانت الصحيفة تكتب وقتها؟

– كانت الصحيفة تنتقد الانجليز غالبا، وعن أوضاع البحرين وعن السياسة الخارجية.

وماذا عن بداياتك؟

– في بدايتي، انضممت إلى بابكو، وكانوا يعطوني 45 روبية وقتها، وكان المبلغ كبيراً، العمال كانوا يعطونهم 10 آنات يوميّاً (حوالي 17 روبية شهرية)، لكنها كانت تأتي بخير وفير وقتها، أتذكر أن العامل كان يحصل على يوميته المقدرة بنص روبية، ويذهب إلى السوق ويشتري الرز والسكر وغيرهما من المستلزمات بها.

بعد مدة طالب العمال بزيادة أجورهم، فتم رفعها إلى 12 آنة، ومن ثم إلى روبية كاملة، لكنني حينها خرجت من بابكو والتحقت بالتجارة مع والدي، وأتذكر أن لي مبلغا من راتبي عن الأيام الأخيرة التي داومتها في الشركة لم تصرف لي، ومن باب الدعابة أقول إنني يحق لي المطالبة بها حتى اليوم.

هل كانت هناك شريحة واسعة من الناس يحسنون القراءة وقتها؟

– الناس كانوا يتعلمون في الكتاتيب وغيرها، وعني مثلا ًتعلمت في المدرسة الجعفرية، ووالدي كان من مؤسسي المدرسة الذين دفعوا من أموالهم الخاصة.

إذن المدرسة الجعفرية تأسست بجهود أهلية خاصة وليست حكومية؟

– في ذلك الوقت، كان الطووايش هم أصحاب المال، وهم الذين أسسوا المدرسة الجعفرية والمدرسة العلوية في الخميس بأموالهم، وجلبوا المعلمين من العراق، محمد بن جمعة كان أبوه أمير القطيف، وهاجروا إلى العراق، وتم اختياره ليرأس المدرسة الجعفرية.

هل كنتم تدفعون رسوماً نظير دراستكم في المدرسة الجعفرية؟

– لا، المدرسة تأسست 1347 هجرية، لكنها كانت مفتوحة للجميع، وكان من مدرسي المدرسة مدير المالية سيد محمود العلوي وأخوه شيد شرف، وعلي المدني وبقية المدرسين عراقيون.

حيث أن البحارنة طلبوا بعد ذلك حضور الشيخ صالح بن عطية وهو جد أحفادي من المحامي خليل أديب، ليرأس المدرسة، لكنه رفض، حيث الأوضاع لم تكن مستقرة في البحرين وقتها.

كيف كان دوامكم في المدرسة؟

– كنا نحضر إلى المدرسة صباحاً وعصراً، ويتم إعطاؤنا أربع حصص صباحا وحصتين عصرا، ومن زملائي حميد العريض، جعفر خلف، جعفر المخرق، علي ابوديب، عبدالكريم العليوات، سعيد العليوات، وغيرهم من بيت القيدوم وبن رجب، العرادي، أبو ادريس.

هل كان أغلب الطلاب من المنامة؟

– كان العديد من الطلبة من المنامة، ولكن أتذكر علي عبدالعال من البلاد القديم، وطلاباً من عائلة بن خميس.

ألم تكن المدرسة العلوية في الخميس أقرب لهم؟

– أتحدث عن العام الأول لتأسيس المدرسة الجعفرية، وكان هؤلاء وغيرهم يحضرون لها، وبعد تأسيس المدرسة العلوية ذهبوا إليها، وأتذكر أننا كنا نذهب في زيارات رسمية لهم.

ما المراحل التي يتم تدريسها آنذاك؟

– كان التعليم متوافرا حتى الصف السادس الابتدائي.

كم كانت أعداد الطلاب؟

– الأعداد كانت بالمئات، وكان هناك 6 صفوف

هل كانت لكم علاقة بالمدارس الحكومية؟

– لا.

هل كان طلاب المدرسة من الطائفة الشيعية فقط، كون المدرسة جعفرية؟

– لا. في البداية كان الحضور من البحارنة الشيعة فقط، لكن بعد فترة انضم إلى المدرسة عدد من الطلاب من الطائفة السنية، وأتذكر انه في حصة الدين كان يعلمنا علي المدني، أما السنة فكان يعلمهم شيخ سني في مكان منفصل، أما في بقية الحصص فكنا ندرس مع بعضنا بعضاً.

وهل هذا الأمر كان موجوداًَ أيضاً في المدرسة العلوية؟

– نعم، كان الموضوع عاديّاً وقتها.

هل كان هناك توجه لدى الناس لإنشاء مدرسة للبنات وقتها؟

– لا. لم يكن التوجه الديني والاجتماعي للناس يسمح بذلك، لكن بعد ذلك فتحت الحكومة مدارس للبنات.

هل كان هناك توتر بين الطائفتين كما هو موجود الآن؟

– لا. لم يكن الأمر بهذه الصورة مطلقاً، كان أصدقاؤنا من عوائل المؤيد وفخرو وغيرهم، وكان مجلس الوالد يضم خليطاً من الطوائف والشخصيات كافة، ووالدي كانت علاقته قوية بالجميع وكان خبيراً باللؤلؤ، وكان مثمناً لمختلف أنواع اللؤلؤ، فكان يزنه ويضع السعر وكان التجار يقرون تثمينه.

يقال أنه قبل تأسيس الهيئة حدثت فتنة بين السنة والشيعة، ما الذي تتذكره عنها؟

– ما أتذكره أن أعضاء الهيئة كانوا يجتمعون في بيت السيد موسى بن كاظم، ويتحدثون في السياسة، ولا أتذكر شيئاً عن وجود فتنة وقتها، كان الانجليز موجودين ذلك الوقت، وكانت المطالبات تتمحور حول إخراج المستشار، وكانت المظاهرات تنادي بإسقاطه، واذكر أن مقره كان في سوق المنامة.

أين كانت تجتمع الهيئة؟

– أول اجتماع للهيئة حصل في مسجد شيخ خميس في المنامة، مقابل مأتم الحاج خلف، وكان والدي القائم على المأتم.

هل كانت الاضطرابات متركزة في المنامة فقط؟

– كانت في الغالب في المنامة، وكان الشرطة يقومون بحملات اعتقالات وتفتيش للبيوت بغرض الحصول على المنشورات لتي كانت توزع ومعرفة مصدرها، وتم حبس العليوات والباكر والشملان، أذكر أنني كنت اذهب إلى الشملان في أم الحصم، حيث كان الأهالي يصيفون فيها، وكان وطنيّاً بامتياز ولم يكن يفرق بين السنة والشيعة مطلقاً.

هل كانت للهيئة شعبية عند الناس؟ ماذا كانت مطالبهم؟

– نعم، كانوا يطالبون بأعمال وتحسين الوضع الاقتصادي للناس، وكان الناس يأتون من القطيف والإحساء براتب لا يتجاوز نصف روبية.

لماذا فشلت الهيئة برأيك؟

– فشلت لأن الوعي السياسي وقتها كان محدوداً، وتم حبس قادتها، والناس خمدوا، وأتذكر أن ابن عبدعلي العليوات قال لي انه في الليلة التي تم اعتقال والده عبدالكريم العليوات باتوا بدون عشاء؛ لأن الجميع أغلقوا أبوابهم خوفاً مما قد يجري لهم، حيث لم يكن هناك وعي، كان الانجليز هم الذين يديرون البلد، وكان بلغريف هو الذي يدير المحكمة، وكان يتكلم باللغة العربية بلغة مكسرة قليلاً.

هل كان الشرطة من البحرينيين؟

– نعم كان كثير منهم بحرينيين، وكان سلمان بن جاسم رئيس القلعة، ورئيس الذخيرة، وهو الذي يدرب.

عشت حياتك كلها في المنامة. صف لنا كيف كانت الحياة وقتها؟

– الوعي كان متركزا في المنامة، وكذلك في البلاد القديم، والسنابس، أما بقية القرى فكان الناس منشغلين في الغالب بمعيشتهم.

هل تتذكر فترة بروز القومية العربية، وخطابات جمال عبدالناصر؟

– الناس كلها كانت في تلك الفترة تميل إلى عبدالناصر، كان الناس أغلبهم قوميين، ولم تكن لديهم فكرة أن هذا سني وذاك شيعي، وأتذكر انه تم وضع فاتحة لعبدالناصر في مسجد الفاضل في المنامة، كما كانت هناك فواتح أخرى عقدت له في المحرق.

كان الناس متحمسين لخطاباته، على رغم انه عمل شيئاً غير جيد بإرساله جيشا إلى اليمن لمحاربة أسرة حميد الدين، وتسببت الحرب في خراب اليمن.

إذا خطب عبدالناصر كان الجميع يستمعون إليه في الراديو، وقد خرجت مظاهرات في البحرين فترة العدوان الثلاثي على مصر، وكانت الشعارات تنادي بالقومية.

في تلك الفترة كان هناك مد للقومية العربية، وكان هناك أيضاً بحرينيون يؤمنون بالفكر البعثي، وكان جلّهم ممن درسوا في العراق، وحتى الآن لايزال هناك الكثير منهم في المنامة.

هل كان أغلب سكان المنامة يعملون في التجارة؟

– البحارنة كانوا يعملون في عدة مهن، عوائل مثل السماهيجي والعريض والمخرق والدلال والمديفع وآل رحمة، كانت كلها عوائل طووايش وتجار وباعة، وهؤلاء كثير منهم من المنامة، وكانت هناك عوائل من التجار في عالي أيضا، السيد جواد العالي هو الذي قام بإنشاء شارع البديع بعد أن رست عليه المقاولة، أما بقية الناس فكانوا يعملون غالباً في الزراعة.

هل تذكر شيئا عن الاستفتاء الأممي في العام 1970 بشأن مصير البحرين، بين أن تكون دولة عربية مستقلة وبين أن تنضم إلى إيران؟

– نعم أتذكر تلك الفترة، فقد جاء وفد من الأمم المتحدة وسكن في فندق الخليج، وتم استدعاء الشيخ أحمد بن خلف العصفور، والشيخ قاسم المهزع، ممثلين عن الطائفتين الكريمتين، وأكدا كلاهما أن رغبة السكان في بقاء البحرين تحت حكم عائلة آل خليفة ورفض الانضمام إلى إيران.

هل كان في الناس وقتها من رفع صوته بالمطالبة بالانضمام إلى إيران؟

– لا. لم يكن هناك حديث عن هذا الأمر مطلقاً، وقد تم إرسال مندوبين من الحكومة للقرى للترويج لبقاء البحرين تحت حكم عائلة آل خليفة، وأن الناس عرب وينبغي أن يحكمهم عرب وليس إيرانيين.

تلا فترة الاستفتاء والاستقلال البدء في تشكيل مجلس تأسيسي لكتابة دستور للبلاد، وتلاه عقد الانتخابات النيابية في العام 1973، ما الذي تتذكره عن تلك الفترة؟

– أتذكر أن الناس في دائرتنا في المنامة خرجوا عن بكرة أبيهم للتصويت لعبدالهادي خلف، غير أنه تم الطعن لاحقاً في فوزه، ولاختيار بديل له، وخرج الناس يهتفون «مال ميزان العدالة وفاز بالكرسي عميل».

وقتها أنا قاطعت التصويت، لأنني كنت أظن أنهم لن يدعو خلف يفوز بالمقعد النيابي، وبالفعل حدث ما حدث.

العدد 4321 – الإثنين 07 يوليو 2014م الموافق 09 رمضان 1435هـ

أضف تعليقك

ملاحظة: بريدك الإلكتروني لن يتم نشره. الحقول المطلوبة بجانبها علامة *

*