manama story
19 يوليو 2017 حوارات

الحاج إبراهيم المرزوق: «صفعة أخي» فتحت لي باب العمل في التجارة

هو من الرعيل الأول من تجار سوق المنامة، والحديث مع ضيفنا الحاج إبراهيم المرزوق، وعلى رغم ظروفه الصحية، يجول بنا في أروقة المنامة وقرية باربار… كيف؟ هو من مواليد المنامة في العام 1935 وتحديداً في فريق الحمام، لكن في طفولته، عاش في قرية باربار حيث مسقط رأس زوجة أبيه الثانية – والدته – فقد كان لوالده رحمه الله زوجتان: منامية وباربارية، وفي قرية باربار عاش مع أخواله المرحومين: عبدالله وعبدالكريم وحسن ومحمد الشويخ، وثلاث من خالاته رحمهن الله، فعاش قسماً من طفولته في قرية باربار وقسماً في المنامة.

حين يعود بالذكريات الى مرحلة الطفولة؛ فإنه يتذكر بيت أخواله في قرية باربار، حيث لاتزال صورة البيت الشتوي المشيد من الجص والطين وسقف من سعف النخيل، والبيت الآخر الصيفي (المنقولة) حيث العرشان الواسعة المساحة المصنوعة من سعف النخيل، وتشمل غرفتين وحوشاً كبيراً (ليوان)، بالإضافة الى مطبخ بأثاثه البسيط المتعارف عليه في ذلك الوقت… لشهرين أو ثلاثة أشهر صيفية كانت بمثابة الجنة بالنسبة إليه، وحين يحل فصل الشتاء، فإن العودة الى دفء غرف الطين، لها هي الأخرى مذاق فريد.

جميلة تلك الصورة يا حاج ابراهيم، ولعلها تنقلنا الى مرحلة المدرسة وقصة صابون (برف)؟

– (يبتسم)… عدت الى المنامة لأستقر فيها وعمري آنذاك عشر سنوات، أي في حوالي العام 1945، وفي قرية باربار حفظت القرآن الكريم على يد خالتي رحمها الله، وبعد أن ختمت القرآن، أراد والدي تسجيلي في المدرسة، وكان لدي اثنان من اخواني غير الأشقاء (متوفيان رحمهما الله)، عارض أحدهما ادخالي الى المدرسة، لكنه في الوقت ذاته اقترح تسجيلي في مدرسة أهلية وهي مدرسة محمد صالح التاجر، وكنت أدرس في الصباح، أما في الفترة المسائية فكنت أتعلم اللغة الإنجليزية في منزل المرحوم عبدالرسول العرادي حتى اكملت الصف السادس، وبعدها عملت مع أخي المرحوم محمد علي في تجارة الأقمشة وكانت يوميتي (نصف روبية).

وبالنسبة إلى قصة صابون (برف)؛ فأنا اعتبرها تجربة فريدة من نوعها لتعلم التجارة والتسويق، فقد استورد أحد التجار وهو المرحوم دشتي صابوناً إيرانيّاً ماركة (برف)، ولم يكن الناس يرغبون في ذلك الصابون ففشل! لكن التاجر ابتكر طريقة ذكية جعلت من الصابون سلعة رائجة ومطلوبة في السوق بدرجة كبيرة، وذلك عندما أجرى عليه (دعاية)، فكل من يشتري 6 حبات من ذلك الصابون يحصل على صحن أو كوب! لذلك، فقد أصبح الإقبال عليه كبيراً، فقرر أخي المرحوم محمد علي أن يتاجر في ذلك الصابون، وصرنا نشتري الصابون وكميات من الأكواب والصحون، ونبيع كل نصف درزن بحوالي دينار، أكثر أو أقل، ونعطي الزبون صحناً أو كوباً، وأقبل الزبائن على شرائه بكثرة، وارتفعت يوميتي من نصف روبية الى ثلاث روبيات، لكن بالنسبة لي، ليست هذه التجربة الفريدة الوحيدة التي فتحت لي مجال العمل التجاري مبكراً، بل كانت صفعة أخي المرحوم محمد علي هي مربط الفرس؟

صفعة تفتح باب العمل التجاري

صفعة… لعل في القصة سرّاً يا حاج إبراهيم؟ وربما تكون مشوقة؟

– كنت مسئولاً عن مشتريات المنزل من لحوم وأسماك وخضراوات، وكنا نتعامل مع المرحومين الحاج عباس القصاب لشراء اللحم، والحاج حميد برغوش لشراء السمك، وكنت أذهب اليهما يوميّاً لشراء احتياجات المنزل.

وذات يوم، ذهبت الى السوق ولم يحضر السماك باكراً فتأخرت في العودة، وحين عدت الى المنزل وجدت أخي في غاية الغضب! فسألني لماذا تأخرت الى هذا الوقت؟ فأخبرته أن السماك تأخر عن موعد حضوره فتأخرت لأنني انتظرته، فرفع يده وصفعني على وجهي! وكان هذا (الكف) هو أول درس لي لعدم عصيان الأوامر… تأثرت وتوجهت الى دكان والدي في السوق، وأبلغته بأنني لن أعمل مع أخي لأنه ضربني على وجهني، فطلب مني الوالد أن أهدأ وأن أبقى مكانه في المحل إلى حين عودته بعد أن يقضي عملاً ثم نتفاهم بعد ذلك، وبالفعل، جلست مكان والدي في محل المرحوم الحاج عبدالله الحداد الذي كان يعمل في تجارة المواد الغذائية، وجلست في المكتب في الوقت الذي ذهب فيه أبي إلى الدلالة، حيث كان يعمل أيضاً دلالاً لتجار المواد الغذائية، وفي ظهر ذلك اليوم عاد والدي فرحاناً وقال لي: «يا ولدي حصلت لك دكاناً تركه للتو أحد الإخوة الصوماليين، وقد اتفقت مع صاحب البناية الحاج أبل على أن نستأجر المحل، ومن الغد، ابحث عن نجار ليجهز المحل»، وبالفعل دفع إيجار شهر كامل مقدماً، وحينها قلت لوالدي: كيف أبدأ العمل وليس معي نقود للمشروع؟ فقال بكل ثقة: «ولا يهمك» فقلت إذاً أنا جاهز، وفي صباح اليوم التالي، رافقت أبي الى السوق ومر بي على التجار البحرينيين والآسيويين وعرفني عليهم حيث كان والدي معروفاً لدى كل التجار، وأتذكر أنه كان يقول لهم: «هذا ولدي ابراهيم… التفتوا له واهتموا به واعطوه ما يريد من بضاعة وأنا المسئول عن الدفع».

الى شارع الشيخ عبدالله

وماذا كانت البضاعة التي بدأت بها تجارتك؟

– لم يقصر معي التجار وقاموا بالواجب وأكثر، وامتلأ المحل بالبضاعة… السكر والرز والقهوة بل حتى ألعاب الأطفال، وتوفقت كثيراً في تجارتي حتى العام 1959 حين تقرر هدم بناية أبل كونها متهالكة، فانتقلت الى محل آخر قريب لمدة سنتين إلى حين اعادة بناء العمارة السابقة، وكان بودي أن أبقى في محلي الأول بعد بناء العمارة إلا أن اصحابها رفعوا الإيجار، فبحثت عن محل آخر وكان هناك موقع جيد على شارع الشيخ عبدالله في سوق المنامة… فاستأجرته وقسمته الى قسمين: قسم لي وقسم لصديقي الأخ ابراهيم العرادي، وتوسعت في أعمالي التجارية بعد أن حظيت بثقة التجار، حينها كنت مهتماً بإكمال نصف ديني، فأبلغت والدي برغبتي في الزواج فتوجه الى المرحوم السيد يوسف الوداعي وكان خطيباً ومأذوناً فطلب منه أن يبحث لي عن زوجة من عائلة طيبة، فسعى المرحوم السيد الوداعي وذهب الى بيت السيد هاشم الوداعي وكانت لديه بنت مسماة الى ابن خالها، ولكنني (يبتسم)… حين تقدمت لها، وافقوا على الفور، ولله الحمد، أنعم علي رب العالمين بالخير والبركة ولدي من الأبناء سبعة ومن البنات ست بنات.

خسارة تجارة الأقمشة

سنعود قليلاً الى الوراء حيث تعرضت تجارتكم لخسائر فادحة في الأربعينات… كيف كان ذلك؟

– في تلك المرحلة كما أسلفت لك، كنت أعمل مع والدي في تجارة الأقمشة، وكان يعمل بين البحرين والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وكان لديه محل كبير في سوق المنامة، وبعد الحرب العالمية الثانية، شهدت الأسواق كساداً كبيراً فتعرضت تجارة والدي لخسائر كبيرة، ثم تحول إلى العمل مع الطواويش في بيع اللؤلؤ، ولم يستمر طويلاً حيث ترك العمل وعاد إلى العمل في الدلالة على تجارة الأغذية، وكان لافتاً في تلك الفترة، أن هناك عدداً من التجار الآسيويين نشطوا في السوق وكانوا في فترة الكساد يستوردون أغذية بكميات كبيرة ويبيعون ويشترون كما يحلو لهم من دون تسعيرة محددة، ولأنه دلال صاحب خبرة، كان يتعامل مع التجار البحرينيين في هذا المجال وكانوا قلة كالصفار والمحروس والبحارنة، ولعلاقته القوية مع التجار، تمكن من الوقوف على قدميه مرة أخرى، واتذكر أنني كنت أرافق والدي أيام المناسبات لزيارة التجار والأصدقاء والأهل وكذلك نزور العلماء الأفاضل وهذه العلاقات الطيبة تركت سمعة طيبة لنا بين التجار.

ومن المراحل المهمة في حياتي، مع مواصلة العمل في التجارة، توجهت الى شراء أسهم تأسيس المصارف كبنك البحرين والكويت والبنك الإسلامي والبنك الأهلي وبعض الشركات، حتى أنني بعت قسماً من أسهمي في بنك البحرين والكويت بحوالي 30 ألف دينار، وحصلت على قطع أراض بعد وفاة الوالد في العام 1965 في العراق وكان مريضاً بالمرض الخبيث ودفن في النجف الأشرف، وبقيت على عملي، ولم أنسَ فضل المرحوم والدي وأسرتي فقد اطمأننت على أخواتي حتى زواجهن، آخر أخواتي عاشت معي الى أن وفقها الله وتزوجت وهي تعيش مع عمنا الحاج حسن المرزوق في القطيف.

لقد كنت من بين المواطنين الذين شاركوا في مهرجان يوم جلوس المغفور له الشيخ عيسى حين وصول الموكب الرسمي الى شارع رأس الرمان وكانت هذه من الذكريات الجميلة، وأيضاً، هناك موقف آخر لا أنساه، فقد توجهت للحج مع والدتي رحمها الله في العام 1964، وقد صادف أن تاهت والدتي في مكة وبحثت عنها لمدة أربع ساعات وأنا أبكي الى حين العثور عليها وفي هذا الموقف تعرفت على الحاج ابراهيم الجزيري الذي لم يقصر في مساعدتي في البحث عن والدتي..

صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3515 – الأحد 22 أبريل 2012م الموافق 01 جمادى الآخرة 1433هـ

أضف تعليقك

ملاحظة: بريدك الإلكتروني لن يتم نشره. الحقول المطلوبة بجانبها علامة *

*